مركز البحوث في مؤسسة وطنيون الاعلامية
لا محالة من القول ان ضعف الرشد السياسي و الكفاءة والخبرة والحضور وعدم الثقة والأنكار للأزمات تعني غياب روح الأرادة والأدارة الاستراتيجية للأزمة والتي عدها الكثير واحدة من عوامل ادارة الأزمة بالأزمة .
ان الأعتراف بالأزمة وتحديد نوعها وتفكيك أسبابها وإيجاد فرضيات الحل لصاحب القرار تعد مقدمات حقيقية لبناء عملية سياسية ناجحة .
ان غياب فرضية حل الأزمة يعني غياب فكرة ايجاد الحل ,وبالتالي فشل العملية السياسية فتتحول الأزمة الى كارثة،وان انكار المالكي وائتلاف دولة القانون للأزمة اياَ كان حجمها,يعني دخول صاحب القرار لا محال الى خانة الوهم والوهن فهو لايريد ان يعترف بوجود ازمة وتارة يهملها واخرى يفرغها من اسبابها او يحرفها عن مسارها, فبدل ان يعمل بفرضية ادارة الأزمة بالحل نراه يعمل بفرضية ادارة الأزمة بالأزمة,وهذا سيجره لأرتكاب اخطاء ستعود عليه بالكارثة وتقديم مزيد من التنازلات او المواجهة .
ان قراءة الواقع السياسي العراقي وعدم وجود حل في الافق,والأنتقال من طاولة الحوار الى طاولة الأتهام المقابل سيعقد المشهد, مما قد يسبب وضع العصى في عجلة تقدم العملية الديمقراطية في العراق .
ذكرت صحيفة الواشنطن بوست بتاريخ 10/2/2013 بقلم كل من ( فرديربل كاجان مدير مشروع التهديدات الخطيرة بالمعهد الأمريكي والسيدة كمبري كاجان رئيسة معهد دراسة الحرب في معهد واشنطن ) ان الأحتجاجات والأزمة في بغداد لا تقلق بغداد فقط بل تقلق الأدارة الأمريكية لان ذلك سيؤدي الى خراب التجربة والعملية السياسية في العراق والخوف من ان يحول العراق الى ملاذ للقاعدة مما سيؤدي الى زعزعة استقرار امن المنطقة وعدم ضمان تدفق النفط الى السوق العالمية,ونبه الكاتبان الى ان هناك تغيير جوهري في الحراك السياسي في العراق اذ ان اللاعبين الرئيسيين في ازمة اليوم زعماء سياسيين وأنهم اصبحوا جزء من الأزمة .
وسنسوق الأمثلة التالية كنماذج لكيفية ادارة الأزمة بازمة .
اسامة النجيفي والأخوان المسلمين
أن زيارة اسامة النجيفي ورافع العيساوي وعدد من اعضاء القائمة العراقية من المحسوبين على الحزب الأسلامي لكل من سامراء والأنبار وخطابهم في جمع المتظاهرين يلاحظ انهم اداروا ازمة العراق من خلال ازمة جديدة,اسامة النجيفي يقول في كلمته بالمتظاهرين ( نشكك بكل الأجراءات المتخذة اذ لا توجد ارادة سياسية في حل الأزمة من قبل السلطة وان الوضع يسوء في الأيام القادمة,وان الحكومة تظهر وجه وتخفي وجه اخر ),وعزف في خطابه على فكرة التوازن فقال (يجب الغاء فكرة التمييز وخلق التوازن والأبتعاد عن الأهانة والأذلال تجاه مناطق معينة) والملاحظ من حديثه انه يدعو الى فكرة المحاصصة ويدعو الى طائفية سياسية,والذي يقرا مابين سطور هذه التصريحات يستنتج منها ان هناك مشروعاً للانتقال الى مرحلة التقسيم,وان رفضها في خطابه الأعلامي,الا انه اكدها في ثنايا حديثه حيث قال (ان الوضع اذا مابقى على ماهو عليه واذا لم تكن هناك معالجات فأنه يهدد وحدة البلاد),وذهب الى ابعد من ذلك حيث قال (هناك اهتمام دولي كبير بالأزمة في العراق,اذا لم نتوصل الى الحل من الداخل فسنذهب للحل من الخارج لكننا لا نرغب في ذلك) .
ان حضور وفد الحزب الأسلامي ورئيس البرلمان اسامة النجيفي لساحات التظاهر قد عالج الأزمة بازمة جديدة حين حاول ان يعيد اثارة القضايا المختلف عليها ولم يساهم باعتباره رئيس مجلس النواب في ألتماس حل او التهدئة او الدفاع عن فكرة وحدة العراق وتجاوز الطائفية اذ سوق لفكرة الفيدرالية قائلاً ( ان موضوع الأقاليم دستوري وان تحريم شئ غير موجود في الدستور يحتاج الى مراجعة .
ان النجيفي بذهابه الى ساحة التظاهرات كانت غايته تحقيق غرضين :
1. ركوب موجة التظاهرات واستغلالها سياسيا وانتخابيا .
2. جعل نفسه ومجموعة العيساوي والعلواني والمساري اباء شرعيين للمتظاهرين رافضا ابوة محور (طارق الهاشمي ، الضاري ، السعدي) ، لها وهذا امر جلي وواضح .
القائمة العراقية
يبدو ان غياب الحل السريع يوحي ان نهاية الأزمات السياسية سوف لن تكون مع أنتهاء عمر الحكومة والبرلمان واجراء انتخابات برلمانية جديدة،لأن سبب الأزمات يعود الى تنصل ائتلاف دولة القانون عن الألتزام بكل الأتفاقيات التي ابرمت في اربيل عام 2010,يؤيد النائب كامل الدليمي من العراقية هذه القناعة فيقول (ان المصالح الحزبية الشخصية هي التي تطفو على السطح وهي سبب الأزمات وان البلد يذهب الى المجهول وان الحل لكل هذه الأزمات ليس بخلق ازمة جديدة وانما الذهاب الى تعديل الدستور).
وكما يقول النائب مصطفى الهيتي(ان تعديل الدستور وليس اسقاط العملية السياسية لأن الناس باتت تشعر باليأس),وهذا الأمر هو الذي دعا رئيس القائمة العراقية اياد علاوي الى القول (لقد فشلت العملية السياسية في العراق وفشلنا نحن ولكنه لا يمكن الأنسحاب منها الأن لأنه يعني الفوضى ويعني ترك الأستبداد يحكم البلاد).
الأكراد
لقد التقى مندوب المالكي بقادة التحالف الكردستاني في اربيل كجزء من رغبة المالكي وحزب الدعوة الى ترطيب الأجواء مع قادة التحالف والعراقية،وقد طرح ممثل المالكي على الأكراد مجموعة من الملفات منها :
1. امكانية ترشيح البديل عن السيد الطالباني لرئاسة الجمهورية لا سيما وان فراغ هذا المنصب فيه خلاف قانوني .
2. اعادة مشروع سحب الثقة عن المالكي وتكليف التحالف الوطني بديلا عنه لا سيما وان خصوم المالكي قد حصلوا على الرقم السحري اي النصف زائد واحد في التصويت على قانون تحديد ولايات الرئاسات الثلاث.
3. تلويح المالكي بالطعن على قانون تحديد الولايات وكيفية التعامل مع مثل هذا الخرق .
4. الأستعداد لأتخاذ موقف قوي في حالة اصرار المالكي على عدم الأستجابة لمطالب المتظاهرين وامكانية الأتفاق على الأنسحاب من الحكومة ومجلس النواب .
5. موقف القوى الكردية من فكرة اعلان فيدرالية في المناطق السنية .
6. تحديد موقف الكتلتين من موضوع مطالب المتظاهرين في المناطق الغربية لا سيما وان كتلة التحالف الكردستاني تعترض على موضوع الغاء قانون المساءلة والعدالة والمادة 4 من قانون مكافحة الارهاب .
7. الموقف من الأنتخابات القادمة والخوف من عملية التزوير من قبل الحكومة لهذه الأنتخابات .
8. رفض التحالف الكردستاني التصويت على موازنة عام 2013 الا بعد تحقيق مطالب الأكراد .
رئيس الحكومة
منذ انطلاق التظاهرات في 25/12/2012 وحتى اليوم يتحرك رئيس الحكومة العراقية باتجاهين في التعامل مع مطالب المتظاهرين بين وهم الحل الذي يعتقد انه يمكن ان يكون في متناول يديه لأتباعه أستراتيجيات متعددة منها الترهيب والترغيب والأغراء او اللامبالاة والتسويف وهي الطريقة التي اتقنها المالكي في التعامل مع الأزمات السابقة,ان الأزمة تجاوزت الحدود المسموح بها لتزايد اعداد المتظاهرين وتنامي واتساع سقف المطالب والدعم الأقليمي لها,وكان لهذه العوامل اثره الكبير في فشل مجموعة المالكي وحزب الدعوة في ادارة هذه الأزمة ولاسباب عدة منها :
1. غياب الثقة بين الحكومة والخصوم الجدد ( المتظاهرين) .
2. ضعف ادارة المالكي في تلبية بعض المطالب السهلة التطبيق .
3. تشتت وتعدد اللجان الحكومية والعشائرية .
4. عناد المالكي زاد من عناد خصومه.
5. غياب دور شركاء المالكي من التحالف الوطني لتقديم خارطة طريق للخروج من الأزمة .
كل هذه العوامل وغيرها جعلت المالكي بدلا من حل الأزمة عمل على ادارتها بازمات جديدة ومن خلال محاولات عدة منها:
1. استعداء الشارع الشيعي للشارع السني بحجة مطاليب المتظاهرين باطلاق سراح الأرهابيين .
2. الأستعانة بالحكومات المحلية في عشر محافظات شيعية ترفض الحل او المطالب التي رفعها المتظاهرون وبدلا من تعويض المناطق المتضررة في المناطق الغربية اصدر قراره يوم 12/2 بتخصيص مبلغ الف مليار دينار للمتضررين من عوائل الشهداء والسجناء الساسيين والمتضررين من الأرهاب وهي كلمة حق يراد بها باطل .
وبدلا من ان يحل مشكلة خلق بدهاء شديد فكرة جلب المؤيدين له مقابل المتخاصمين معه وهذا الأمر لا يخلو من دعاية انتخابية,وهذا الأمر هو الذي دعا المتظاهرين للأعتقاد بأن المالكي يحاول اللعب على مشاعر ابناء الشعب من خلال تغليب طرف على طرف اخر .
المالكي ومبعوثه لحل الأزمة بالأزمة
وما ان استشعر المالكي بالخطر الذي يهدد موقعه السياسي والحكومي حتى بدأ وبأستشاره خارجية من بعض مراكز الأزمات في الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانية وبعض الشخصيات العراقية لمحاولة تعويق أستراتيجية تطويق الازمة .
لقد استمع المالكي منذ اسابيع لكثير من النصائح من الداخل ومن الخارج ومن ابرز النصائح التي وجهت له من حلفائه كالسيد عمار حكيم (بدلا من ان تعالج النتائج يجب ان تعالج الأسباب) .
ومن الأسباب التي باتت تؤرق المالكي,الخطر الذي هدد به الأخرين وهو سيناريوهاته الأربعة( تقسيم – حرب اهلية – تعطيل البرلمان – انتخابات مبكرة ) فبدل ان تكون سلاحا ضدالمتظاهرين صارت سلاحا يهددون به المالكي.
ان تلويح المالكي باعادة كتابة دستور جديد والرغبة في تعديله قد اقلق الأكراد وزاد من تشنجهم تجاه بقاء المالكي وقد نقل البارزاني هذا التشنج في زيارته الى أميركا واوربا مؤخرا,هذا الأمر هو الذي جعل الناطق بأسم الكتلة الكردستانية مؤيد الطيب في تصريح له يوم 12/2/2013 يعلق على طروحات المالكي وقياديي حزب الدعوة ،(ان كتابة دستور جديد او تعديله ليس مزاجا وقال بالحرف الواحد ( نحن نرفض اسقاط الدستور ونحن مع تعديل الدستور وفق الأليات الدستورية ) .
المشكلة الأخرى التي تواجه المالكي وطرحت للنقاش مع موفده الى كردستان طارق نجم,اعتراض الأكراد وكما صرح بذلك باقر الزبيدي قائلا ( ان سبب تأخير الميزانية انما يعود الى الخلاف بين ائتلاف دولة القانون والتحالف الكردستاني وهو الذي صعب من امكانية التصويت عليها ) وقد تلخصت مطالب الأكراد حول الموازنة بالأشتراطات التالية :
1. ضرورة تنفيذ كامل بنود اتفاقية اربيل التي عقدت عام 2010 كونها تعد خارطة الطريق للحل .
2. اعطاء الأقليم مبلغ اربعة ترليون دينار عراقي لتسديد المستحقات المترتبة على الحكومة الأتحادية للشركات الأجنبية التي تنقب عن النفط في الأقليم.
3. دفع رواتب البيشمركة حيث سبق للحكومة ان دفعت 600 مليار دينار عراقي كسلفه من السنة الماضية للأستحقاق المترتب عليها وهو ( 4 ترليون دينار ) .
4. الغاء قيادة عمليات دجلة او نقلها من كركوك وامكانية ان تكون مساحة عملها في تكريت او ديالى بعيدا عن المناطق المتنازع عليها.
5. تخفيض المبالغ المخصصة للمنافع الأجتماعية للرئاسات الثلاث بمبلغ قدره ( 100 ترليون دينار عراقي ) .
والقضية الأخرى التي ناقشها السيد طارق نجم مع الشركاء في اربيل هو مستقبل بقاء السيد جلال الطالباني والبديل المناسب من التحالف الكردستاني لا سيما وان موضوع البديل هومن حصة الأتحاد الكردستاني ، وقد تناهت الى اسماع الكثير من المراقبين ارتفاع حدة الصراع بين كل من السيدين ( كوسرت رسول وبرهم صالح ) على خلافة السيد الطالباني .
زيارة مبعوث المالكي الى كردستان
المراقبين السياسيين لهذه الزيارة رغم السرية التي احيطت بها يصفون هذه المشاورات التي شهدتها بما يلي :
1. اضعفت دور المالكي وقيادات التحالف الوطني من ايجاد حل مناسب لكثير من الأزمات وبدلا من ان يعتمد المالكي او يستشير حلفاءه (السيد عمار الحكيم – السيد عادل عبد المهدي – الشيخ همام حمودي – السيد ابراهيم الجعفري – السيد حسين الشهرستاني) حول الألية المقترحة لحل هذه الازمات . ذهب للاستعانة بحامل اختامة طارق نجم لكي لا يطلع الجميع على حجم التنازلات التي سيقدمها المالكي للكتل الاخرى والاكراد .
2. ان هذه الحركة قد فاجأت الكثير من حلفاء السيد المالكي وهي تؤكد اعتماد السيد المالكي واصراره على استراتيجية الانفراد في اتخاذ القرار ومباغتة حلفاءه وخصومة في كثير من قراراته السياسية بدون ان يشاور احد .
3. ان فقدان الثقة بين كل من التحالف الكردستاني والعراقية والصدريين بأئتلاف دولة القانون يجعل حظوظ النجاح لزيارة السيد طارق نجم ضعيفة ان لم تكن قليلة ولن تساهم في احداث اي نوع من التقدم بين السيد المالكي وشركاءه في العملية السياسية وهي كما يقول السيد علاوي معلقاَ على هذه الزيارة , لقد وصلنا في الخلافات الى مرحلة اللاعودة ولا يفيد فيها حجم التنازلات والتطمينات التي يقدمها السيد المالكي او غيره .
4. ان الزيارة توضح بشكل جلي ان السيد المالكي كثيرا ما يؤسس على قناعات وطروحات غيره فهو قد اسس على طروحات كتله المواطن الداعية الى اعادة الروح في التحالف الاستراتيجي بين التحالف الشيعي والتحالف الكردي لأيجاد شكل من اشكال التوازن امام الهزات والعواصف التي تواجه المالكي هذه الأيام .
5. يبدو ان حجم المشكلات كما يقول احد السياسيين لا يحتاج الى مناورة هنا او مكرمة من المالكي هناك ، او وعدا هنا او وعدا هناك بل يحتاج الى حوار جاد على طاولة يتساوى فيها الجميع ويطرح فيها الجميع كل المشكلات والأزمات ومعالجتها بقرارات وطنية شجاعة وليس بحل الأزمة بادارة ازمة اخرى وهذا مالا يتقنه المالكي ابدا. |