• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : سافـَرْتُ في مفكّرتكَ (قراءة في كتاب "مفكّرة مسافر" للدكتور جورج طراد) .
                          • الكاتب : عماد يونس فغالي .

سافـَرْتُ في مفكّرتكَ (قراءة في كتاب "مفكّرة مسافر" للدكتور جورج طراد)

    لقد استقلّيتُ مفكّرتك على متن كتاب "مفكّرة مسافر". فإذا بي أطير فوق دول ٍجلتَ فيها، لا لتسوحَ في أرضها وتتعرّف معالمها السياحيّة والعمرانيّة فحسب، بل قد حلا لكَ اكتشاف إنسانها ومواطنه الداخليّة في أطباعه ونفسيّته ونوعه البشريّ. كما رحتَ تتنقّل في ما اكتسبه من خبرة هذه الدنيا وفلسفة الأيّام، فعرضتَ لكلّ هذا ببساطةٍ تجعل القارئ يخال نفسه ينظر ما تراه، ويشارك في المشاهد التي تتحدّث عنها في محطات الكتاب.  وكم خرجت منّي ضحكاتٌ مدوّية وأنا أقرأ المواقف الطريفة لأبطال هذه المفكّرة التي طبعتْ ذاكرتك بالصور المعبّرة، فأردْتَ بمهارتكَ المعهودة، أن تنقلها بأمانة، ولكنْ صائبة من القارئ قلبَه وضميره .

    لقد آثرتَ روح النكتة اللاذعة بما تناولتَه من شخصيّات، ليس من عادة الناس الالتفات إليها بأكثر من تعليق ساخر، لعدم الاكتراث بهذا النوع منها. سلّطتَ الضوء على هذا الجنس البشريّ ، لِما ترك فيكَ تصرّفه والحدث الذي أثاره، على سخافته، من تأثيرٍ غالبًا ما تُرجم في نفسكَ إزعاجًا وامتعاضًا.

    من ناحية أخرى، أظهرتَ أنّ الإنسان في أيّة بقعةٍ من الأرض هو إنسان كلّ الأرض، تجده في كلّ مكان. فالسيّدة "أورتانسيا" صاحبة "ميلو"، الكلب المناصر للبيئة، كم نجد منها في لبنان مثلاً، من الذين يقيمون القيامة ولا يقعدونها، من أجل رغبةٍ عندهم جدّ سخيفة. وسائق التاكسي في لارنكا وإيطاليا، لن أزيد عليك في موضوع عالميّته، وقد جعلته نموذجًا لاختلاق الحيَل في سبيل حفنةٍ من المال.

    نعم، إنّ الإنسان في أيّة دولة إذ ينتمي إلى حضارةٍ ما، هو من حيث الحالة الإنسانيّة،  مواطن العالم بأسره.  وهو بالتالي ينتمي إلى الحضارة البشريّة بشكلٍ عامّ. والخصوصيّة التي يتفرّد بها، إنّما يكتسبها من خبرته الشخصيّة ، وممّا تكون الحياة قد عجنتْ في شخصه من دقيق معاناتها أو حلاواتها.

    لقد أردتَ، يا معلّمي الحبيب، ببراعة ٍ محبّبة وشفّافة، هي لنا مدرسةٌ أدبيّة ونقديّة نادرة ، أن تقول إنّ في زوايا هذا العالم المخفيّة، وعلى أرصفة المدن الكبرى، كما على ألسنة أذرى الناس، تكمن أكبر فلسفةٍ للحياة وأعظم ثقافةٍ لذوي الكفاءات ولطالبي العلوم العليا.

    لقد أردتَ أيضًا أن تدلّ على القطبة المخفيّة للعلوم الاجتماعيّة، حيث لا يهتمّ باحث ولا يبحث مهتمّ. وكأنّكَ

توضح أنّ من هناك قد يخرج حكّام الدول وقوّاد الثورات. أوَليست الأفكار الثوريّة وإيديولوجيّات الأنظمة الدوليّة بنات العامّة، أصحاب المعاناة والألم المستمرّ؟

    أمّا بعد، جديرٌ الاعتراف بأنّ ما أوردتُه أعلاه ،إنّما هو قراءة طالب معرفةٍ في الحقلين الاجتماعيّ والإنسانيّ، لا يبغي إلاّ ارتشاف هذه المعرفة جرعاتٍ من كأسِ معلّمه الذي يحبّ ويقدّر .

    أيضًا وأيضًا يا دكتور جورج، أقرّ كم يختزن كتابك المفكّرة من خبايا شخصيّتكَ الآخذة في المواقف النبيلة والعطاءات المجانيّة التي تقدّمها بمحبّة وفرح، كما لا تضنّ بخبرةٍ اكتسبتها بمهاراتكَ العلائقيّة وفي تعاطيكَ القضايا الأدبيّة.

    هذا ما عشتُه خلال رحلتي في مفكّرتكَ، المحلّقة بمسافرها فوق الأثير، لتحط ّ به على مدارج الضّمير. فيبقى هذا الكتاب في متنه علامة ً فارقة في اختبار الحياة ومعرفتها. 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=26994
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 01 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15