تحدث لي احد الشباب المشاركين في احد المظاهرات المؤيدة للحكومة ، والتي جاءت كرد فعل مضاد على مظاهرات المناطق الغربية ،وسألته لماذا خرجتم متظاهرين هذا اليوم ؟ فقال ((ضد الــ..... )) وذكر مكون وطني ، كان لرده وقع كبير في نفسي ولم استطع الرد علية ، مع علمي بأن الشاب لديه قصور فكري وقد يكون ممن سيق سوقا لتلك المظاهرة ، على طريقة السلاطين السابقين ، وللعلم ان تلك المظاهرات لا تحمل أي شعارات طائفية ، وكل شعاراتها وطنية ومؤيدة لحكومة المالكي ، وتدعوا الى نبذ الطائفية والعنف والإرهاب ، وهذا كله لا غبار عليه ، ولكن يبدوا ان هناك شي ما في الموضوع أو وتر حساس ، اعتاد الناس ان يلامسوه حتى يلبوا احد الرغبات الهوجاء داخل نفوسهم المعتلة .
الكثير من بلدان العالم تضم عدة قوميات وطوائف وأقليات ، ولو قلبنا التاريخ لوجدنا الكثير من الاحداث الطائفية ومنها مذابح الارمن على يد العثمانيين ، وبعض مجازر الحربين العالميتين التي حصلت في دول اوربا على يد الالمان والروس ، وإبادة القوميات والأقليات والتضييق عليها في كل شيء في عهد الاتحاد السوفيتي السابق ، والتقتيل والتطهير العرقي في قارة افريقيا وما حصل في جنوب افريقيا ، قبل ان يأتيها المخلص والزعيم القومي (نيلسون مانديلا ) ، كل ذلك حصل لغرض الاستعباد السياسي ونتيجة لأهداف سياسية موضوعة سلفا ، ترى بان هذه الفئة او المجموعة العرقية من المجتمع تقف عائقا أمام مشروع سياسي او خطة عسكرية معينه ، لذلك يجب التخلص منها وإبادتها ، حتى يكون الطريق معبدا أمام المشروع السياسي .
ما حصل في بلادنا عام 2005 وما تلاها من قتل وتهجير وتشريد ، خطط له في خارج العراق ونفذ في الداخل ، بأيادي عرب مجاورين ، يرون ان احد الطوائف تقف عائقا امام العودة الى السلطة ، والتي كانت تحارب نيابة عنهم يوما ما في البوابة الشرقية ولأسباب طائفية ، وهذا رأي طائفي بامتياز ، والدليل على ذلك لم تحصل حوادث طائفية قبل دخول (مجاهدي) القاعدة والمسلحين العرب اصحاب الفكر الطائفي المنحط ، فأجبر مجتمعنا في المناطق الغربية لإيوائهم والتعامل معهم استسلاما للعقل الجمعي هناك في تلك الفترة ، ولفكرة المؤامرة المحاكة ضدهم ، ولفكرة المخلص الذي سينقذهم من العدو (الوهم ) ، وفيما بعد حصل ما حصل وصولا للمفخخات ، بحيث اكلت منهم خلقا كثيرا ، قبل ان تأكل من اخوانهم من ابناء الضفة الاخرى للمجتمع ، ولم يسلم منها كل شبر من بلدي وتعدى ذلك الى ابناء العشيرة الواحدة وكأننا لبنان السبعينات والثمانينات .
هل الطائفية موجودة في بلادنا ؟ للأسف نعم موجودة ، وحبلها متين ، ويغذيها من يقفون على طرفي الحبل ويشدون باستمرار وللكسب السياسي لا غير ،من كلتا الجهتين او الثلاث ، فهل نشد من ازر احد المتنافسين وعلى طريقتهم الفئوية وندخل لعبة شد الحبل معهم ؟ أم نبقى على الحياد ؟ والحل اخواني لا بهذا ولا ذاك بالتأكيد ، بل بالتصدي وتخفيف التوتر من طرفي الحبل ، فلو امعنا النظر في أزمة سياسية ما سنجد ارتفاع اسهم بعض السياسيين والمسئولين وتزداد شعبيتهم وتتناسب طرديا مع قوة الشد الطائفي على طرفي الحبل ، وطبعا حسب التصريحات (الطائفية ) لكل منهم ، والكل يعلم انهم لا يعملون الا لمصالحهم لا مصالح الجمهور .
اذن ما علينا الا ان نقف في الوسط مهما كانت ميولنا وانتماءاتنا لنضع حدا لذلك الشد المربك لكل شيء في بلادنا ، وعلينا ان نعري المستفيدين من ذلك ، ونكون جبهة وسطية معتدلة متوازنة ، وصدقوني ان هناك الكثير ممن يدعون الى التهدئة والوسطية وتخفيف الشد الطائفي ، ولا يريدون الا مصلحة البلاد والعباد ، ولو وضعنا ثقتنا بمثل هؤلاء لسار المركب بنا جميعا نحو ضفة الخير والامان . |