• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تاملات في القران الكريم ح84 سورة الانعام .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تاملات في القران الكريم ح84 سورة الانعام

بسم الله الرحمن الرحيم
 
فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{43}
تروي الاية الكريمة , ان كل امة جاءها البأس ( الفقر وضيق المعيشة ) , ابتهلوا الى الله تعالى ليكشفه عنهم , وبعبارة اخرى , يدخلون في حضيرة الايمان , لكنهم لا يقيمون فيها طويلا , وسرعان ما يخرجون منها , عند تغير الاحوال ,  وذلك لسببين : 
1) (  وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) : القلوب قاسية بأتجاه الايمان , ليّنة بأتجاه المعاصي .
2) (  وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) : الشيطان (لع) يعمل جاهدا لتغير وتبديل الصور الحقيقية للاشياء في ذهن الانسان وقلبه , وغالبا ما يكون ذلك بطريقين 
أ‌) يجمل القبيح : يرى الانسان عندها القبيح الحقيقي جميلا , فيلين قبله نحوه , وتهفو اليه خواطره . 
ب‌) يقبح الجميل : يرى عندها الانسان الجميل ( الجمال ) الحقيقي قبيحا , فيجتنبه , ويتهرب منه , فيقسو قلبه نحوه .        
الملاحظ في الاية الكريمة , انها تدعو الانسان ان يحكم عقله , وينظر الى قلبه , ليتمكن من معرفة وتمييز موارد الجمال والقبح الحقيقيين , في طاعة الله تعالى ومعصيته , وعليه ان يدرك ذلك قبل فوات الاوان ! .
 
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ{44}
نتأمل الاية الكريمة في مقطعين :
1) (  فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) : عندما ينسى او يترك الناس التذكرة الالهية , ويتغافلوا عن التهديدات الربانية , عندها ومن باب الاستدراج (  فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) , فيحل عليهم الرخاء , بدلا من ضيق المعيشة , وتغمرهم الصحة والعافية في اجسادهم , بدل السقم والمرض , بالاضافة الى تيسير كافة مصادر النعم الدنيوية .   
2) (  حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ) : ان رخاء المعيشة , وسلامة الاجسام من المرض والاسقام , وتيسر مصادر النعم , من ابرز علامات الفرح والسرور , ما يجعل الناس في غفلة من خطر كامن , غضبه عز وجل , (  أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ) , يحل العذاب بشكل مفاجأ , دونما سابق انذار , عنده يكون حالهم (  فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ) , لا حول لهم ولا قوة , آيسون من كل امل ورجاء في النجاة , منقطعين عن كل خير !  .                
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{45}
نستقرأ الاية الكريمة في مقطعين غير منفصلين عن بعضهما : 
1) (  فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ) : استئوصلوا وابيدوا عن اخرهم . 
2) (  وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) : تقدم مثلها في سورة الفاتحة الشريفة .       
 
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ{46}
تسلط الاية الكريمة الضوء على جانب من قدرته عز وجل , ما يخص الانسان في محورين : 
1) المحور المادي : الاعضاء الجارحة  كالاذن والعين , فعند تعطل احداها , تتعطل وظيفته . 
2) المحور الروحي :  القلب المادي مضخة للدم , وعند تعطله يموت الانسان , يستشف المفسرون ان المشار اليه بالقلب ليس مضخة الدم , بل هو العقل اوالروح اوما شابه .   
الملاحظ في الاية الكريمة , انها جمعت السمع والبصر في (  قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ ) , اما ما يتعلق بالقلب (  وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم ) , الاخذ للسمع والبصر , لانهما من الاعضاء الفسيولوجية , والختم للقلب , اشارة الى الجانب الروحاني ( الروحي ) في الانسان ! .     
 
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ{47}
يقسم العذاب الى قسمين : 
1- عاجل : في الدنيا . 
2- مؤجل : في الاخرة . 
الاية الكريمة اشارت وقسمت العذاب العاجل ( في الدنيا ) الى قسمين : 
1) (  بَغْتَةً ) : بشكل مباغت ومفاجأ , وبدون سابق انذار , بشكل يفوق كل التوقعات . 
2) ( أَوْ جَهْرَةً ) : احيانا يكون العذاب علنيا , مرئي ومسموع , محسوس وملموس , فيقف الانسان عاجزا ن دفعه , كطوفان نوح (ع) , حيث وقع والناس تراه رؤى العين , وتسمع خرير الماء , يحسون ويلمسون ويشعرون بما يترتب عليه من مخاطر وهلاك .     
العلوم الحديثة مكنت الانسان من التنبؤ بالكوارث الطبيعية قبل حدوثها , في الزمان والمكان , وبشكل دقيق , لكنه لا يستطيع ولا يتمكن من درئها , والحيلولة دون وقوعها , الا اخلاء الاماكن المنكوبة من الناس والاملاك قدر المستطاع .  
البلاء على نوعين : 
1- يحل على المؤمن , ويسمى عندها امتحان واختبار , ولابد ان يكون له اسباب وحكمة اقتضتها مشيئته عز وجل ! . 
2- يحل على الكافر , ويسمى عندها عذاب وانتقام , واحيانا يكون تأديبا ,  حسب ما تقتضيه حكمته عز وجل ايضا ! . 
 
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{48}
تذكر الاية الكريمة وظيفة الرسل : 
1- (  مُبَشِّرِينَ ) : بالجنة والثواب الجزيل . 
2- (  وَمُنذِرِينَ ) : بجهنم والنيران , والعذاب الخالد .  
ثم تذكر الاية الكريمة شيئين مقابل شيئين : 
1) (  فَمَنْ آمَنَ ) . 
2) (  وَأَصْلَحَ ) .    
ويقابلهما : 
1) (  فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) .    
2) (  وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) .   
يلاحظ في الاية الكريمة , انها اشترطت الايمان (  فَمَنْ آمَنَ ) , واردفته بالاصلاح (  وَأَصْلَحَ ) , ثم عرجت على ذكر الخوف (  فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) , والحزن (  وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على شكل مصفوفة ينبغي التوقف عندها , وسبر اغوارها , لتوضيح المعنى : 
1- (  فَمَنْ آمَنَ ) = (  فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) , اذا ما امن الشخص ولم يصلح , سيجنبه الله تعالى الخوف , لكنه سيحزن على ما فاته من ثواب الصلاح والاصلاح ! . 
2- (  وَأَصْلَحَ ) = (  وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) , اما اذا اصلح الشخص ولم يؤمن , سيشمله الخوف دون الحزن , بعبارة اخرى , المؤمن يتجنب المعاصي طاعة لله تعالى , اما لو تجنبها الكافر وقاية لنفسه من مضارها , كالمضار المترتبة على شرب الخمر وغيره , عندها يدفع عنه الحزن بطريقين : 
أ‌) اجتناب المعاصي يقي الفرد من مضارها الفسيولوجية والروحية , وكذلك عارها وشنارها , وفي ذلك الفرح والسرور . 
ب‌) يعاقب الشخص بكل جرم ارتكبه في الدنيا , فالزاني يعاقب بجرم الزنا , وشارب الخمر يعاقب بما له من العقاب المناسب , اما لو كان الكافر ممتنعا عن ركوب المعاصي والاثام فلا يعاقب عليها , ويعاقب على كفره فقط , وذلك مما يدعو الى الفرح لتخفيف العقاب عنه , بينما اقرانه الكفار الزناة وشاربي الخمور ومرتكبي الاثام , يعاقبون عليها بالاضافة الى عقوبة الكفر ! .     
 
وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ{49}
تذكر الاية الكريمة ان الذين كذبوا بأيات الله تعالى سـ (  يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ ) , وتذكر ايضا السبب (  بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) . 
الملاحظ فيها , انها ذكرت العذاب بــ (  يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ ) , فلاحظ الفرق بين المس واللمس وما شابهه من معاني مفردات اللغة العربية ! . 
 
قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ{50}
تأمر الاية الكريمة الرسول الاكرم محمد ( ص واله) ان يوجهه كلامه للمشركين في عدة محاور : 
1) (  قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ ) : لا ادعي ان املك خزائن الاموال والمنافع , المالك لها هو الله تعالى , وهو جل وعلا له حق التصرف فيها . 
2) (  وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) : لا ادعي معرفة وعلم الغيب , الا بما اوحى الله تعالى له (ص واله) .  
3) (  وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ) : لم يدعي ( ص واله) انه ملك , بل هو بشر مثل سائر البشر . 
4) (  إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) : ليس للرسول الكريم محمد (ص واله) ان يبتدع شيئا من عنده , او يأمر بشيء من تلقاء نفسه , بل يتبع وينفذ اوامره جل وعلا عن طريق الوحي .  
5) (  قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ) : بالتأكيد لا يتساوى الاعمى والبصير , هذه حقيقة يميزها ويدركها حتى البسطاء من الناس , فما بالك بعرب الجاهلية , حيث كانوا اصحاب حكمة ( حسجه ) , قلوبهم مفتحة للشعر والادب وعلوم الكلام , فكيف بهم لا يميزون ذلك , وقد جاءهم القران الكريم معجزا اياهم بما يحسنونه , وبما شاع بينهم من فرائد الكلم , نعم , ان القرآن الكريم اتاهم بما حيّر البابهم , واعجز عقولهم عن ادراكه , فأصبحوا وامسوا لا يميزون الاعمى من البصير ! .     
6) (  أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ) : دعوة مفتوحة من القرآن الكريم , لكل من يدعي المعرفة بفرائد الكلم , الشعر والادب , الحسجة والمنطق , من الذين لا يؤمنون بل ويشككون به انه من عند الله تعالى .              
وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ{51}
الاية الكريمة تشير الى جهة تعلم بيوم الحشر , وتخاف منه وتخشاه , لم تحددها الاية الكريمة , الا انها يمكن ان تكون في  : 
1) المؤمنون العاصون : المؤمن يؤمن بيوم الحشر , ويخاف من شر ما فيه , لكنهم مقيمون على المعاصي , فتكون الاية الكريمة عندها موجهه نحوهم , كي يتوبوا ويقلعوا مما هم فيه من اثام ومعاصي . 
2) المشركون : بعض المشركين كانوا يؤمنون بالحشر , ويخافوه , لانهم كانوا على دين ابراهيم (ع) ومنهم قبيلة بني عامر , لكنهم لم يؤمنوا به (ص واله) , ومالوا مع المشركين . 
3) اهل الكتاب : اهل الكتاب كافة يؤمنون بيوم الحشر , ويخافون شره , لكنهم مالوا الى ما لديهم , ظنا منهم انه سينجيهم ! .  
 
وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ{52} وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ{53}
مما يروى في سبب نزول الايتين الكريمتين , مرت جماعة من قريش بمجلس رسول الله ( ص واله) حيث كان صهيب وعمار وبلال وخباب وامثالهم من الفقراء والعمال حاضرين فيه , فتعجبوا من ذلك وقالوا ( يا محمد ارضيت بهؤلاء من قومك , افنحن نكون تبعا لهم ؟ ! , أهؤلاء الذين منّ الله عليهم ؟ ! , اطردهم عنك , فلعلك ان طردتهم اتبعناك ) ! ( مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي ) .  



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=26444
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 01 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15