تكرار الكلام الصادق، مدعاة للنفور، فكيف بالكلام الكاذب، المتهافت البناء.. شكلا ومعنى، على اسماع شعب حاد الذكاء، عنيفُ ردةِ الفعلِ ازاء من يستفزه؟
هذا هو واقع حال العلاقة الهجينة التي مدها الساسة العراقيون، الآن، مع الشعب العراقي، من دون ان يفيدوا من نظرية الكذب، التي اختطها السابقون عليهم.. عالميا ومحليا.
الجاهل يغتر بالظواهر؛ لأنه لا يمتلك وعيا يمكنه من استثمار العمق الغاطس للاحداث، وقراءة الممحي بين السطور، وملء الفراغات بمنطق ما يجب ان يكون.
وليس في سياسيينا الراهنين، من هو بحجم هذه النظرية! انهم مع الاسف، ادنى من ذلك، يتنافجون غرورا من دون ايجاد ما يقوم اود هذا الغرور.
التكبر على الناس والتعالي عما يجري لهم، مكروه.. مرفوض.. مستهجن، لا يصدر الا عن انسان فظ، لكن قد! يلتمس العذر في (النفخة) لمن قدم خدمة للمجتمع، اما ان تغتروا على شعب تعيشون من خيراته، بلا ايما خدمة تذكر، فهذا طغيان ديكتاتوري يفوق اية تسمية مخففة للتكبر الاجوف، بقوة الجاه والسلطة وامتصاص مقدرات الشعب، على طريقة الطاغية المقبور صدام حسين، الذي افرغ الشعب من نبض قواه، اقتصاديا وسياسيا ومعيشيا واخلاقيا وعسكريا؛ ما ادى الى تهافت الشعب وخلو العراق من اية قيمة فكرية او قيادية، ليقوى صدام شخصيا، ولما احتاج جيشا يدافع عنه، يوم 19 آذار لم يجد في العراق سوى الفراغ، فسقط بعد عشرين يوما بالتمام والكمال، في 9 نيسان 2003.
لذا قال اخوة يوسف لنبي الله يعقوب.. عليهما السلام: "وما انت بمؤمن لنا وان كنا صادقين" في واحدة من اجمل الآيات ادهاشا، تتناغم مع الآية الكريمة: "وقل موتوا بغيظكم".
انها معان قرآنية كبرى، على من يضع نفسه في قدر استثنائي، ان يفك الشفرات المرسلة من الله.. تعالى، على انبيائه ورسله، كي يستوفي القدر الاستثنائي الذي تصدى لاشغاله، وبغير هذا فأنه يورط نفسه بقميص يلاص في خلعه، جارا الويلات على الشعب والحكومة، التي يتسلل اليها.
ومن ابلغ مستويات الصراحة، فظاعة، قول الحجاج بن يوسف الثقفي، مهددا العراقيين، ومعترفا بظلم بني امية وجور حكمهم: "من تكلم قتلناه، ومن سكت مات بغله".
بهذا الجور وهذه الفظاعة، يوفر الطاغية غطاء منطقيا، يتناسب مع ظلمهم في الحكم، من دون كذب، مع ان الحجاج يرتكب يوميا جرائم ابشع من الكذب، بقتله مئات الابرياء، في المساجد، وهم راكعين لله امام المحراب الذي يشير الى القبلة.. بيت الله.
لكنه لا يكذب، استقواءً على المسلمين، وحفاظا على هيبة الخلافة، ولو رفع عرشها ثمانية من زبانية جهنم!
تلك هي لعبة الحكم بشكلها السلبي، أما منظومتها الايجابية، فلخصها الامام علي (ع) بحكمة بليغة الايجاز: "لولا التقوى لكنت ادهى العرب".
ما يعني، امكانية بناء علاقة صادقة بين السياسي والشعب، اتزانا في التقوى، من دون ان تنفرط خرزات الحكم من بين اصابعه، بل يضمن تعاطف الشعب مع حقيقة المجريات التي يطلع عليها؛ مدعوا للتآزر مع حكومته، في تأكيد الحسنات وتعزيز مواضع القوة الاقتصادية والعسكرية والعلمية، وردم الهوة وتقوية مناطق الضعف، في البطن الرخوة من جبهة بناء الدولة.. اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وعلمية.
اما تصحيح الخطأ بخطأ، فسلسلة لا تنتهي الا بمرزاب، تتسرب منه وفورات الدولة، متحولة الى عوز يوسع الثغرة ويكشف عورات الحكم فتتكور السلطة بلاء على السياسي الكاذب، الذي يجد نفسه مضطرا لمداراة الخلل بكذبة والتغطية على التلكؤ بعذر وهمي، ينتهي به الى المأسي التي جرها علينا السابقون. |