اشتعلت الشرارة الاولى للحراك الشعبي الكبيرالذي هزَّ ارجاء تونس في منطقة " سيدي بو زيد" على خلفية انتحار الشاب التونسي محمد بوعزيزي (26) سنة بحرق نفسه اثر مصادرة سلطات البلدية عربته اليدوية التي يبيع عليها الخضروات والفواكه ,وبذلك اطلق هذا الشاب الرصاصة الاولى في جسد الحكم السلطوي في البلاد لتنطلق بعد ذلك الجماهير الغاضبة في مناطق متفرقة حتى الاطاحة بالرئيس بن علي في غضون شهر واحد بعد حكم ديكتاتوري دام مايقارب 23 سنة.
لكن مايثير دهشتنا وأعجابنا الشديدين كعرب وكعراقيين تحديداً ازاء هذه الاحداث الجارية هو موقف الجيش الوطني التونسي ونزوله المشرّف والنزيه الى الشارع كقوة وطنية محايدة تحترم ارادة شعبها في التعبيرعن موقفه ,والقيام بواجبه على حماية المراكز الحيوية والدوائرالسيادية في الدولة من عبث العابثين واصحاب النفوس الضعيفة في حالة استغلالهم فرصة الانفلات الامني داخل البلاد, وفي نفس الوقت تقديمه ـ اي الجيش ـ خدمة عظيمة اخرى للبلاد اكثر اهمية من سابقتها وهي الحفاظ على ارواح ودماء ابناء الشعب التونسي من بطش قوات الامن( شرطة مكافحة الشغب) والتصدي لهذه القوات المتخاذلة والحد من سقوط المزيد من الضحايا.
أنَّ موقف الجيش وعدم امتثاله لاوامر الرئيس بن علي في قمع الاحتجاجات الشعبية بقوة السلاح , كان السبب الرئيسي والفعّال في انتصار ارادة الشعب. واقالة الجنرال رشيد عمار رئيس هيئة اركان الجيش من منصبه بسبب رفضه الاشتراك بجريمة ابادة المتظاهرين!! مؤشر مهم ودليل واضح على مهنية ضباط الجيش في تونس ومعرفتهم لحدودهم وواجباتهم الوطنية وادراكهم السبب الحقيقي لوجود هذه المؤسسة الكبيرة والقوية في البلاد... ليضرب الجيش التونسي بذلك مثالا ً رائعاً يستحق التقدير والانحناء على صدق انتماءه وولائه الى شعبه ووطنه.
كانت هذه صرخة الجياع الاولى بوجه احد أعتى الطغاة العرب وربما لن تكون الاخيرة فهذه السنة بدات بشائرها تلوح في تونس الخضراء وستكون انشاء الله سنة شؤم وبلاء على كل الدكتاتوريات القذرة التي حكمت البلاد العربية طوال الخمسين سنة الماضيه, فالبرغم من حزمة التنازلات والوعود التي قدمها بن علي قبل ايام للبقاء في منصبه كرئيس للبلاد لم تجدِ نفعاً امام اصرار هذا الشعب العربي الصابر في تحقيق مطالبه المشروعة, مما دفع بالرئيس الهروب خارج البلاد الى وجة غير معروفة تاركاً كرسيه الغالي على قلبه وقلوب كل القادة العرب.
انها ثورة عربية جديدة تسرّ الكادحين والمظلومين من الشعوب العربية المضطهدة كان للتكنلوجيا الحديثة ( الفيس بوك. اليوتيوب) الفضل الكبيرفي احيائها وانتشارها في البلاد حتى اسقاط الحكومة , اضافة لكونها رسالة قوية ومؤثرة بعثها الشعب التونسي لكل الدكتاتوريات وليس لبن علي وحسب مفادها ان الشعوب مازال فيها من يستطيع اقتلاع عروشكم وجذوركم الواهية مهما امتدت وضربت اطنابها في باطن الارض.
نعم انها قضية شعب عربي محروم وثورة ابتدائها بائع متجول والذي استحق وبجدارة ان يُشيد له تمثال من الذهب في وسط العاصمة تونس لان جسده كان الجذوة التي اوقدت نيران القلوب المتعطشة للحرية والعيش بكرامة في اوطانها, وأكملها الشعب بكل فئاته من محامين ومثقفين وعاطلين عن العمل وموظفين وسياسين لياتي بعد ذلك الجيش التونسي البطل ليقف معها بكل قوة واصرار لتصور بذلك اروع ملحمة وطنية معاصرة شهدتها المنطقة العربية في التصدي لقوى الظلام والاستبداد السلطوي.
تحية كبيرة للجيش التونسي البطل ولموقفه الرائع هذا .. وتحية للجنرال التونسي رشيد عمار على موقفه الوطني المشرّف, ولتتعلم جيوش العرب وجنرالاتها منه دروس الوطنية الحقيقية في الولاء للوطن, لان الجيش في اي بلد من بلدان العالم يجب ان يكون سور للوطن وليس سور للحكم !!
|