مالذي اغترفته ذائقتي حين وقفت بمحاذاة شلال نعيمة الادريسي الابداعي ؟ وهل استمتعت بفيض ( رقص المرايا – مجموعتها القصصية) التي ضمت خمسة واربعين قاربا صغيرا لا يتسع الا لشخص واحد ( قصص قصيرة جدا ) ؟!!
ومضات بحجم اضمامة القلب .. على قدر شهيق صدر محزون , لكنها تخبئ أعاصير مشاعر مكبوتة ..
سألت نفسي : هل انحازت القاصة الى ادب جنسها بكامل اسلحتها الثقافية سردا ولغة وفكرا ؟
اجبت وانا الغي هذا التجنيس ( ادب نسوي وادب رجالي) انها النساء كلهن .. لقد وردت تاء التانيث لامعة بارزة في صوتها المحزون ولغتها الشفافة العذبة الرائقة وفكرها الذي انشغل بهموم بنات جلدتها وسردها الذي كل صورة فيه منكسرة بل ان بعضها معاقة .
المجموعة تالقت لوحدة مضمونها .. رايت انها تكتم هذه الصرخة المتشظية منذ وعيها بممرات الضياع .. تعددت وجوه السرد لتبرز ملامح مراياها المهشمة وليقطر دم جرحها ولترقص رياح الضياع .. وهذا مامنح القاصة الامكانية الفذة على تطويع قدراتها في اختيارات مدروسة .. فلا ترى الوانا متمازجة او متداخلة على ملامح وجه المجموعة.. انها تحمل لونا واحدا بارزا هو لون وجه الأنثى المنكسرة .
لقد قال باسكال ( ان اخر شئ تجده عندما تؤلف كتابا هو ان تعرف الشئ الذي وصفه في البداية ) وهذا ماوجدته في العنوان – رقص المرايا- كل كلمة لها دلالتها العميقة المثيرة .. وحين تتوغل في قراءة القصص ستجد أي رقص هذا الذي يتقافز فيه الجسد بفعل وخزات حادة مؤلمة في الصميم .. واية مرايا لا تحتضن الا ملامح الوحدة والخيال المتشتت والوهم والزيف !!
المرأة تبحث عن توازن طرفي المعادلة الازلية في الحياة .. هي تبحث عن الحياد فلا تمسك به ..تشعر انها تعيش في غابة وقد اقتنعت ان الطلب من الذئب لقمة مضيعة لحياتها . لذلك فانها تداري انكسارها وانهزامها لعلها تحقق املا عاش بين طيات قلبها .
غاصت القاصة في اعماق الالم والمعاناة لتستخرج لالئ منكسرة او ربما متهشمة .. تسعى جاهدة للكشف بمنظارها عن اعماق نفس منسحقة .. وهي تكتب بترفع لم تذبل احرفها سخونة المعنى ..بل جلت سطحها ليظهر معدنها الاصيل .
انها المعاناة الروحية والجسدية والعقلية والعاطفية في ظل قهر الشريك - التنصل من العلاقة المشروعة وتغلب المصلحة – كلما التفتت ثمة ريح تصد تطلعاتها بصرها وبصيرتها – ضحية لافتات المبادي المبطنة التي تجذبها ربما تؤدي بها الى الانتحار – انجذابها الى حركات الرجل البهلوانية التي تتناثر في الهواء ولا تلامس الارض بينما احلامها تظل معلقة في فراغ اجوف – الدموع التي ماعادت تستجيب لها لتفريطها بذرفها – تحول المرأة الى اناء لجمر الرجل التي سرعان ماتتحول الى رماد – الخيانة الممتدة مع امتداد وجودها –الاحلام الكاذبة والاماني المزيفة بالوهم-الوحدة المقيتة وتداخل الرغبات بين الحاجة للطعام والجنس – الوعود الكاذبة والاغتصاب وابن الحلال الذي لم يطرق الباب بعد - اللواط والزنى وعدم توفر الحماية الاخلاقية والقانونية في مجتمع يرتدي العمامة – العجز الجنسي والرغبة بالحمل- الادعاء بالفضيلة والانغماس في الرذيلة –
انها تتناول كل تلك المعاناة الانسانية الممتدة جذورها في الحرمان والاستكانة والخذلان.. قصصها اليفة نكاد نلمس احرفها المشحونةبهموم تجري من بين اصابعنا قريبة من دمنا .
انها لاتريد ان تكون لعبة جميلة يتسلى بها الرجل او يتناولها كعلبة المشروبات الغازية ثم يرميها تحت الاقدام او النفايات او انها تحمل غنائية عذبة يتسلى بها الليل انها القطب الثاني التي تدور حول محورها الاشياء .. وهي ليست جسدا ليليا يفضحه النهار انها الليل والنهار الشمس والقمر الماء والتراب والهواء.. انها تريد ان تكون حاضرة في ذاكرة الزمن الجميل لها كيانها وملامحها.
حلقت القاصة بجناحي الشعرلتختصر مسافات السرد وقد عبرت بنا كل تلك المفازات دون اعياء
لقد قرات قصصا ولدت من رحم عقل امراة .. لانها قريبة من صرخاتها فقد اصدقت التعبير وكانت امينة في تفاصيلها .
المراة في حضن الام اكثر نعيما وامانا ودفء من حضن الوطن .. الوطن هو الحضن الثاني .. الانثى هو الحلم والامل الذي ينشئ الرجال والنساء .. الصابرة على الاضطهاد .. هذا الكائن الخرافي الذي جبل من طين التناقضات ..
البصر الزائغ يسدد طلقة الرغبة الدنيئةعلى جسدها الذي يرتج بالجمال والجاذبية والسحر .. طلقاته مراوغة ناعمة الملمس خشنة الطبع .. بل ان تركيزها يصل في زوغانه الى الزنا بالمحارم حين تنساق الغريزة باوامر الغابة فذلك خيانة لله
اكرر سؤالي : هل هو ادب نسائي بامتياز ؟
: انه ادب انساني بامتياز .
ان نعيمة القضيوي الادريسي مازالت على قيد الحياة .. قلبها يتسع لكل هذا النبض .. نبض القلم والضمير وهي تملا صفحات ذائقتنا بعطر الورود.. |