• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تاملات في القران الكريم ح62 سورة النساء .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تاملات في القران الكريم ح62 سورة النساء

بسم الله الرحمن الرحيم 
 
إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً{117}
الاراء في الاية الكريمة كثيرة , تدخل المتتبع لها في دوامة , جميعها غير ثابتة , بل قابلة للنقاش , نذكر منها : 
1- اصنام العرب في الجاهلية كانت تسمى بأسماء مؤنثة , كاللات والعزى ومناة , لكن بعض اسماء الاصنام كانت مذكرة ايضا كـ ( هبل ) وغيره , لذا فهذا الرأي لا يصمد طويلا امام المناقشة . 
2- المعروف ان ابليس (لع) عندما طرد من مكانه كان لوحده , فتكاثر في ظروف غامضة , وبطريقة مبهمة ,الا ان بعضا من الاحاديث الشريفة ( بغض النظر عن سندها ) تبين انه باض او توالد , ولم تذكر زوجة له (لع) , لذلك عدة دلالات نذكر منها : 
أ‌) اما انه (لع) خنثى الجنس , فيصدق عليه كونه ذكرا او انثى في نفس الوقت , ويكون بذلك مصداقا للاية الكريمة (  إِلاَّ إِنَاثاً ) , كون الاصنام تؤدي الى عبادة الشيطان الرجيم (لع) . 
ب‌) سوميا او شوميا او سومي او شومي اب الجن , والجن خلق من خلق الله تعالى وجدوا قبل ادم (ع) بمدة طويلة , سكنوا الارض وعمروها , تروي الاحاديث انه كان مؤمنا , وطلب من الله تعالى ان يجعله يرى ولا يرى , يسمع ولا يسمع ... الخ , فكان له ولقومه ما طلب , يحتمل ان ابليس (لع) ( ان كان ذكرا ) قد اتخذ من بنات الجن زوجات له , فورث ابنائه الخبث والشيطنة من ابيهم (لع) , وورثوا مظاهرهم الخارجية من امهاتهم , فيصدق عليهم القول انهم (  إِلاَّ إِنَاثاً ) , كون عبادة الاصنام من همس الشياطين .       
 
لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً{118}
تضمنت الاية الكريمة امرين : 
1- (  لَّعَنَهُ اللّهُ ) : الابعاد والطرد من رحمة الله تعالى .
2- (  وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ) : يروي النص على لسان ابليس الخبيث (لع) , يصرح فيه انه سوف يتخذ من عباد الله ( غير المؤمنين ) جزءا منهم ( وليس جميعهم ) محلا لضلالاته (لع) , فيغويهم ويغوي بهم , وهذا الامر يعد من اول اعمال ابليس (لع) .        
 
وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً{119}
تذكر الاية الكريمة على لسان ابليس (لع) عدة جوانب من اعماله , بعد ان ذكرت سابقتها الكريمة اول عمل له (لع) : 
1- (  وَلأُضِلَّنَّهُم ) : يبعدهم ويحرفهم عن طريق الحق , وذلك بأساليبه الخاصة كالوسوسة وغيرها . 
2- (  وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ ) : يلقي في القلوب عدة امور منها : 
أ‌) طول العمر . 
ب‌) حب الدنيا . 
ت‌) نسيان الموت والفناء . 
ث‌) اغفال البعث . 
ج‌) اغفال الحساب .   
3- (  وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ ) : الغريب في النص , ان ابليس (لع) يقول (  وَلآمُرَنَّهُمْ ) , والامر يصدر من السيد الى العبد , او ممن هو في منزلة اعلى لمن هو في منزلة ادنى , ويصدر الامر كذلك من المتبوع الى التابع ... الخ , فيلاحظ ان ابليس (لع) يأمر اتباعه امرا , أي انه قد استحوذ عليهم فساد . 
4- (  وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ ) : ذلك يشمل عدة محاور : 
أ‌) الجنس : تشبه الرجال بالنساء , والنساء بالرجال , ويلعب كل منهم دور الاخر , فيظهر الرجال المخنثين , والنساء المسترجلات . 
ب‌) الفطرة : تغيير طبيعة ما خلق الله تعالى الاشياء لاجله , وحسب ما تقتضيه حكمته عز وجل .      
بعد ان بينت الاية الكريمة اعمال الشيطان (لع) , انعطفت لتصدر قرارا بالغ الخطورة ,  (   وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً ) ! .  
 
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً{120}
حصرت الاية الكريمة اعمال الشيطان (لع) في موردين : 
1- (  يَعِدُهُمْ ) : يعد الشيطان الرجيم (لع) اوليائه بوعود كاذبة .
2- (  وَيُمَنِّيهِمْ ) :  يبث (لع) في صدور اوليائه الاماني الباطلة , فيزيدهم بعدا عن الطريق القويم .  
يلتفت المتأمل في القران الكريم الى طرائفه التي يغفلها القارئ عادة , لعل من ابرزها انه يكشف كافة اوراق العدو , خططه ومخططاته , اساليبه وطرائقه , اسلحته وذخائره , وهذا مما تسخر له بنايات مشددة الحراسة , والاموال الطائلة , وكفاءات خاصة , ( الاستخبارات ) .     
 
أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً{121}
اوردت الاية الكريمة ( 119 ) اعمال الشيطان الرجيم (لع) بلسانه , ثم بينت الاية الكريمة (120) اعمال الشيطان الرجيم بسياق القران الكريم , اتت هذه الاية الكريمة لتضع بيانا يبين حال اتباعه (لع) .  
 
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً{122}
بينت الايات الكريمة السابقة احوال الشيطان الرجيم واعماله واتباعه , ثم بينت مصيرهم المحتوم , فأنعطفت الاية الكريمة الى ذكر حال المؤمنين , على شكل مقارنة لطيفة لما سبق :
1- (  وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ) : مصير المؤمنين , مقابل مصير الكافرين اتباع الشيطان الرجيم (لع) (  أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً ) . 
2- (  وَعْدَ اللّهِ حَقّاً ) : وعد الله تعالى مقابل وعود الشيطان الرجيم لاوليائه (  وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ) . 
3- (  وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ) : سؤال في محل بيان مصداقيته عز وجل المطلقة , تقابله اكاذيب واماني الشيطان الرجيم لاوليائه (  يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ) .        
 
 
لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً{123} وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً{124}
مما يروى في سبب نزول الايتين الكريمتين , عندما تفاخر المسلمون واهل الكتاب بعضهم على بعض , فكان مما تباهى به اهل الكتاب : 
1- ان نبيهم بعث قبل بعثته ( ص واله) . 
2- كما ان كتابهم سبق نزول القرآن الكريم .  
بينما افتخر المسلمون عليهم بــ : 
1- ان نبي الاسلام (ص واله) هو خاتم الانبياء والمرسلين (ع) . 
2- وان القران الكريم هو اخر الكتب السماوية , واكملها من حيث المضمون والتشريع ... الخ . 
فكانت الايتين الكريم في محل النهي عن هكذا نوع من انواع المفاخرات , واوردت جملة من الاعمال التي يجب الاتيان بها , وبينت حال اصحابها ( القائمين عليها ) , كأفضل  بديلا عن ذلك . 
 
وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً{125} 
بدلا من التفاخر بما لدى اصحاب الديانات من خواص , حددت الاية الكريمة الاولى من ذلك : 
1- (  وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله ) . 
2- (  وَهُوَ مُحْسِنٌ ) . 
3- (  واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) .         
يغزو ذهن المتأمل سؤالان  , لماذا ملة ابراهيم (ع) , ولماذا ابراهيم (ع) بالذات ؟ , الاجوبة كثيرة , والاراء مختلفة , لعل ابرزها واقربها الى الصواب : 
1- انتساب من جهة الدين : كافة الاديان السماوية ( التوحيدية ) تنتسب الى ابراهيم (ع) , وينسب اصحاب كل دين ابراهيم (ع) لدينهم , فيدعي اليهود انه (ع) كان يهوديا , ويدعي النصاري انه (ع) كان نصرانيا , ويجزم المسلمون انه (ع) كان مسلما . 
2- انتساب الدم : ابراهيم (ع) هو الجد المشترك لليهود والنصارى , اما العرب فينقسمون الى مجموعتين كبيرتين , احداهما تنتسب الى ابراهيم (ع) , والاخرى لا ترتبط به (ع)  وهما : 
أ‌) العرب العاربة : يرجع نسبهم الى سبأ (عبد شمس) بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح . 
ب‌) العرب المستعربة : يرجع نسبهم الى نزار بن معد بن عدنان بن اسماعيل (ع) بن ابراهيم (ع) .  
 
وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً{126}
تشير الاية الكريمة الى موضوعين : 
1- (  وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ) : المالك المطلق للسموات والارض وما فيها هو الله عز وجل , كل شيء عائد اليه جل وعلا , دال عليه عز وجل .  
2- (  وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً ) :  الله تعالى محيط بكل شيء علما وقدرة .     



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=23508
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15