يبدأ الشاعر طلال الغوار قصيدة (الغياب) بالمقطع الاتي :
(أنسل من بين خطواتي
واقرع طبولي حتى اخدش جسد الغياب
واشعل في جسد الغابة
صوتها الوحشي ).
وفي هذا المقطع تبدأ اول مواجهة بين حضور الشاعر والآخر.. اذ يطلق الشاعر صوته..دلالة الحضور.. ليختبر من خلاله حضور الآخر بواسطة حواسه,فرغبته الاولى بأسماع صوته للغابه بكل دلالاتها وتفاصيلها ( الغموض .الخصب.البدايه.الحلم.الحياة..الخ ) تعني اختبارا لمستوى استقبال حواسها وهنا يفترض ان الاجابه التي تأتيه من الغابه تعني سماعها صوت الشاعر واجابته عليها..وفي هذا الافتراض يجرب الشاعر دالتين لوجود الغابه او (الاخر) السمع والصوت .لكن مالذي حدث ؟
يجيب المقطع الثاني عن التساؤل بما يأتي:
( ما اتعسنا.ابعد طول السرى ,
ادركنا عبثا
كنا نحاول ان نزحزح
شجر الغيب ) .
وفي هذا المقطع يؤكد الشاعر الغوّار ان الصمت هو قدر الغابه او الحياة وان اللاجدوى هي نتيجته الحتميه في محاكاة الاشياء ,لان الغابه رسخت الصمت في ذاتها واصبح ذلك الصمت دالة على وجودها..(عبثا كنا نحاول ان نزحزح شجر الغيب) .يقول المقطع الثالث :
(اقف في الطرف الاخر
من صحرائي
واسأل نجم صباي
عن ضفاف اختفت )
وفي هذا المقطع يبدأ الشاعر بمحاولة جديدة لاكتشاف العالم فينقل من طرف الغابه التي استحالت الى صحراء بكل دلالاتها .الى الطرف الآخر..مجربا حواسه بنفسه هذه المره عله يجد الاخر حاضرا..ولكن حتى هذه المحاولة نبؤة بالفشل ايضا..فالشاعر لم يستطع رؤية الضاف اي ان الفشل هذه المرة ازداد عمقا عندما غيبت حواس الشاعر الطرف الاخرلكن التجربه لم تتوقف فيستمر الشاعر بتجربة حاسه اخرى وهي اللمس كما في المقطع الاتي:
(اكتفي بالاشارات الجريحه ,
وهي تسيل من أصابع الروح.
ان هناك في الطرف الأكثر عتمة
من هو مولع بتجميع ألاحزان)
وفي هذا المقطع يعلن الشاعر فشل حاسة اللمس في اكتشاف الاشياء فحتى الاشارات ظلت تسيل من بين الاصابع دون ان تستطيع تلك الاصابع ان تلمسها او الاحتفاظ بها . وبغض النظر عن طبيعة هذه الاشارات.
النهاية المفتوحه
وفي المقطع الاخير من قصيدة الغياب يعلن طلال الغوّار نهاية مفتوجه لمحاولاته فيقول :
(أتعدد في مراة غيابك
وأسأل نفسي
من اي جهة تنشّقُ خطواتي
وجهكِ كان مختلطا
بشئآبيب الغيب
ورائحة الاشجار).
ويشر هذا المقطع الى استمرار محاولات الشاعر وتعددها وتجربة مايتيح له وجوده لاثبات وجود الاخر فالتعدد في مراة الغياب محاولة للخروج منه عبر الحواس وبما انه جرب السمع والبصر واللمس وفشل فيها فانه لابد ان يجرب ما تبقى.وحاسة الشم هي آخر عده للشاعر لمواجهة العالم .. فمالذي حصل مع هذه الحاسه. يدل المقطع الاخير في محاولة البحث عن جهة محددة للأحساس بالاخر ان الشاعر استعان بحاستين من حواسه مرة واحده وليس بحاسه واحده كما فعل في السابق.الاولى.الحدس(اسأل نفسي من اي جهة تنشق خطواتي) ويريد الشاعر هنا ان يؤكد جهتة الاولى التي اراد فيها اكتشاف الاخر فشلت.ففي المقطع الاول من القصيدة كانت جهته مؤكده انسل من بين خطواتي ولما كنات تلك الجهة قد خيبت ضنه بدا بأختيار حدسه, علّه يجد الجهة الصحيحه التي تدله عن الاخر ..ليبدأ مع هذا الدليل الجديد يتلمس الوجوه ولو باضعف صيغه ..وبالفعل يكون الحدس صائبا فيشم الشاعر الغياب مختلطا برائحة الاشجار اي ان الوجود بدأ بالاتضاح شيئا فشيئا (وجهك كان مختلطا بشأبيب الغيب ورائحة الاشجار)وهنا تكون اخر حواس الشاعر واضعفها دليلا على الوجود فالغيب بدا يختلط برائحة الاشجار ,رائحة الغابه, وهذا يعني ان ان نهاية المحاولة ماتزال مفتوحه عند طلال الغوّار وان التجربة لم تكتمل..وان قصيدة اخرى في طريقها للتكون.
*الغياب: احدى قصائد المجموعه الشعريه (الخروج من الاسماء)لطلال الغوّار..عن الشوؤن الثقافيه 1996
|