• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أنا عراقي....أنا أقرأ, مشروع لبداية التغيير! .
                          • الكاتب : عماد رسن .

أنا عراقي....أنا أقرأ, مشروع لبداية التغيير!

لقد كان الطريق من بيتنا إلى كشك بيع الصحف والمجلات من أجمل الطرق التي كنت أسلكها في بداية الثمانينيات حتى بعد منتصفها. لقد كنت أنتظر صاحب الكشك حين يكون محله مقفلا ً حتى يفتح أبوابه لأساعده في حمل رزم من الصحف حين إستلامها. فذلك الطريق هو أجمل حتى من طريق المدرسة التي ربما ينتظرني فيها الأستاذ زامل, مدير مدرستنا, ببدلته الزيتونة المكوية بعناية فائقة, بحاجبيه المقطبين ووجهه العابس الخالي من كل تعبير وهو يرتب الصفوف تحضيرا ً لرفعة العلم. لقد كنت أجمع مصروفي اليومي لشراء مجلة المزمار ومن ثم تطور الأمر لجريدة الراصد فمجلة ألف باء وبعض المجلات العربية المؤدلجة كالوطن العربي والدستور والتضامن.

 

لم تكن هناك مكتبات في أغلب مناطق العراق فضلا ً من أن توجد في مدينة فقيرة كمدينة الثورة آن ذاك. وكما قال السياب: وكل عام حين يعشب الثرى, نجوع, ما مر عام والعراق ليس فيه جوع. فأن مدن العراق, كانت وماتزال, تخلو من المكتبات التي كانت ستساهم في نهضة البلد من خلال رفع مستوى الوعي لأبنائه الصغار من خلال القراءة. ولكن, وكما يبدو, كنا مشاريع صغيرة لجنود سيكبرون ليقدموا قرابين لآله الحرب في طقوس كان كل أصدقائنا وأشقائنا شهود بها علينا, حيث كنا نحترق في أتون تلك الحرب لينعم آخرون بسيارات فارهة وعيش رغيد, كنا نموت لحمايتهم مصدقين كذبة أن القلم والبندقية فوهة واحدة, وعلينا أن نخرس أيضا ً ولانرفع أصواتنا, فلا صوت يعلوا فوق صوت المعركة.

 

كان يوجد في بيتنا مكتبة صغيرة لأبي, فكلما طالت سنين الحرب تآكلت كتبها, وكأن الحرب لاتحتاج لقرابين من الشباب فقط, بل من الكتب التي كانت يجب أن تحترق كي لايطلع عليها أحد, وكأن فيها سر عظيم لايريد السلطان أن يعرفه أحد فشحذ همته وبدأ يفتش في البيوت عن الكتب وويل لمن لديه كتاب فسيكون حينها عميلا ً لدولة أخرى وسيعلق على أقرب عمود. أما أبي, فقد جمع كتبه وأودعها عند قريب لايشك به أحد, لتستقر في حفرة تحت الأرض, وفي غرفة لاندخلها نحن الصغار, فقد قالوا لنا بأن رأس أحدهم مدفون هنا, خوفا ً من الوشاية التي كنا ربما سنقولها بفلته لسان أو ببراءة ونحن لاندرك معناها. لقد تحول الكتاب إلى العدو رقم واحد للدولة آن ذاك, شبح تطارده كل أجهزة المخابرات والإستخبارات والأمن فضلا ً عن الأجهزة الحزبية. إلا أن المهم هو أن الكتاب متهم لم تثبت برائته إلى الآن.

 

لقد قيل قديما ً, بأن مصر تكتب, وبيروت تطبع, والعراق يقرأ, أما الآن, كما في العراق جوع يوجد فيه ستتة ملايين أمي لايقرئون ولايكتبون. أما من يقرئون, ففيهم الكثير ممن لايفهمون, أو قل لايريد أن يفهمون بعد أن أخذوا جرعة من مورفين الشعوب. نعم, يوجد هناك الكثير من المتعلمين ولكن, كم منهم من المثقفين, وكم من هؤلاء المثقفين من الواعين؟ جامعاتنا تخرج قوى عاملة تخدم هدف معين وهو التعليم حسب مايتطلبه السوق وماترغب به مؤسسات الدولة المؤدلجة الغير بريئة, إذ ليس للتعليم شأن, لا من قريب ولا من بعيد, بالتنمية البشرية كدورها التثقيفي لتنمية الحس الأدبي والذوق الفني. فكما :كنا ننتج ونصنع شبابا ً كوقود للحرب نجعل منهم الآن دمى تتلاعب بها مافيات التجارة لتجعل منهم مستهلكين من الطراز الأول والمافيات التي تستخدم الدين لتجعل منهم ببغاوات يرددون مايقوله حفنة من المنتفعين وهم يرددون الشعارات لحرب مقدسة مجنونة.

 

هل نحن بحاجة للتغير؟ بالتأكيد نعم. بالخصوص بعد موت الحياة السياسية في العراق بهيمنة القلة التي تسيطر عليهم مصالحهم الشخصية والحزبية والطائفية والفئوية, بالتأكيد نعم, وقد غابت الأفكار الجديدة التي تنشط الحياة الثقافية والسياسية وتطرح بدائل بعد أن مللنا من تيارات لاتحمل معها إلا رياح الشر وأشباح الموت, أفكار قديمة تتناقض فيما بينها لتصدم ببعضها على أرض الواقع. نحن بحاجة للتغير, ولكن, علينا بتغيير أنفسنا أولا ً من خلال تغيير أفكارنا. علينا أن نستبدل النظارات التي تعودنا أن نرى أنفسنا ونرى الآخرين بها ونرى العالم من حولنا بها.

 

يقول القرآن الكريم أن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. أما علماء الاجتماع فيقولون أن التغيير الاجتماعي بحاجة لتغير في طريقة تفكير وسلوك ومشاعر أفراد المجتمع, ويتم هذا التغيير من خلال الإختلاط بمجتمعات أخرى من خلال السياحة أو قدوم أجانب للسياحة والعمل في مجتمع معين, من خلال حدث كبير كالحرب أو الثورة, أو من خلال الاإطلاع على أفكار جديدة من خلال القراءة التي تغير قناعات الناس. فالقراءة هي مفتاح التغيير لأي مجتمع لأنها نافذة تنفتح على عوالم أخرى تمدنا بأفكار وصور ومشاعر لم نألفها من قبل تختزلها تجارب عاشها آخرون. أن القراءة تغير نظرة الإنسان عن نفسه وعن الآخر الذي يعيش معه وعن كل شيء يحيط به, أنها تعطيه معنى جديد للحياة بعد أن تهز القناعات الثابتة التي أعتاد عليها ولم يجرب غيرها.

 

لقد تعودنا في العراق بأن المشاريع التي تخدم المواطن والوطن تبدأ من المواطن نفسه ومن ثم تلحق به مؤسسات الدولة. لم تكلف الدولة طوال عشر سنين نفسها برعاية مشاريع ثقافية حقيقية, ولاحتى أنها أنشأت مكتبات في مدننا الكبيرة فضلا ً عن الصغيرة منها. كم جامع وحسينية تم بنائها ولم نسمع يوم بأن الدولة باشرت ببناء مكتبة أو دعمت مشروع للقراءة يبدأ في مدارسنا. حتى لم نسمع بمشروع من وزارة التربية تدعوا إلى القراءة من خلال المسابقات أو التحفيز على الكتابة أو حتى دعم الكوادر التدريسية ليقوموا بوظيفة تعويد الطلبة على القراءة لإكتشاف عوالم أخرى.

 

مشروع (أنا عراقي...أنا أقرأ) مشروع جاد للتغير, مشروع يمكن أن يغير الحياة الثقافية الراكدة في العراق, مشروع يمكن أن يخرج الكتاب من شارع المتنبي لينطلق به إلى حدائق أبي نؤاس وياليت لكل حدائق العراق, يجعل الكتب تحلق من أرصفة الشوارع إلى مكتبات صغيرة في بيوتنا ليطلع عليها الأطفال وتعلق عيونهم بعناوين الكتب وزخارفها وصورها الملونة لتبدأ علاقة حميمية جديدة بين أطفالنا والأحرف التي ينتابه الفضول ليعرف معناها, فيبدأ بقرائتها, لتبدأمعنا الخطوة الأولى نحو التطور.

 https://www.facebook.com/imad.rasan




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=22789
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15