بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً{56}
تشرح الاية الكريمة حال الكافرين في جهنم , على شكل ثلاثة نقاط رئيسية وبأسلوب التوبيخ والتعنيف :
1- ( سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً ) : تبدأ الاية الكريمة ببيان دخول الكافرين النار .
2- ( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا ) : عندما ينضج اللحم , يكون جاهزا للاكل , وفي هذا النص المبارك يقتبس المعنى المطلوب من احتراق الجلد , الى درجة لا تؤثر فيه النار حينها يحتاج الامر الى تغيير الجلد المحترق ( الناضج ) بجلد جديد يتأثر في النار ويسبب الالم .
3- ( لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ ) : يصف النص المبارك حال الكافرين بنوع من انواع السخرية بهم , حيث ان تذوق الطعام يقصد بها اختبار جودته , اما هنا فيكون تذوق العذاب كي تكتشف شدة إيلامه ! .
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً{57}
مقابل الفئة المذكورة في الاية الكريمة السابقة , تذكر الاية الكريمة فئة اخرى معاكسه لها تماما , فتخاطبهم الاية الكريمة بطريقة لطيفة , وتشرح حالهم في ثلاثة نقاط :
1- ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ) : النص واضح لا يحتاج الى تعليق ! .
2- ( لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ) : لا حيض ولا نفاس ولا أي امر مستقذر في ازواج الجنة ( الحور العين – او الزوجة الصالحة في الدنيا , ترافق زوجها في الجنة ) .
3- ( وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً ) : حيث لا شمس حارقة , ولا معاناة من شدة ضوئها ولهيبها , وايضا لا توجد ظلمة داهمة .
الملفت للنظر , ان الاية الكريمة السابقة توعدت الكافرين بــ ( سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً ) , ( سوف ) للمستقبل , ( نصليهم ) بمعنى ندخلهم , اما الاية الكريمة التي نحن بصددها , فقد خاطبت المؤمنين بنوع من البشارة لما ينتظرهم ( سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ ) , في ذلك موقف للمتأملين ! .
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً{58}
توصي الاية الكريمة المؤمنين بوصيتين :
1- ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) .
2- ( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ) .
وتبين امرين بنحو التأكيد والتحقيق :
1- ( إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ) .
2- ( إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً{59}
تخاطب الاية الكريمة المؤمنين , وتفرض عدة فروض ظاهرة وباطنة , نذكر الظاهرة منها كونها من اختصاص المتأمل , ونعرض عن الباطنة كونها ليست من اختصاصه :
1- ( أَطِيعُواْ اللّهَ ) .
2- ( وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) .
3- ( وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) .
4- ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ) .
وتوضح الاية الكريمة ان العمل بتلك الاوامر ( ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً{60}
تعرضت الايات الكريمة السابقة الى موضوع الحكم بين الناس ( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ) , وبينت ان افضل الاحكام واعدلها عند ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ) , لكن هناك جهات اخرى كالمنافقين وغيرهم لا يحبذون حكم الله ورسوله , ( يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ ) , عندها تبين الاية الكريمة امرين :
1- ( وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ ) .
2- ( وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً ) .
فيما يروى في سبب نزول الاية الكريمة , كان بين رجل يهودي واحد المسلمين المنافقين اختلافا وخصومة , فعزما ان يحكما حكما بينهما , فقام اليهودي الى النبي محمد (ص واله) , لانه (ص واله) لا يأخذ الرشوة ولا جور في الحكم , بينما اختار المسلم المنافق كعب لانه يقبل الرشوة .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً{61}
تبين الاية الكريمة حال المنافقين , اذا تمت دعوتهم الى ما عند الله ورسوله .
للاية الكريمة فضيلة في دفع الصداع , كما ورد في كتاب مكارم الاخلاق .
فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً{62}
تتسائل الاية الكريمة على نحو خاص عن حال المنافقين , حين تدركهم مصيبة او عقاب وغير ذلك من مهمات الامور , فلا يكون الجواب منهم حين يتعرضون للعتاب او اللوم ( إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً ) ! .
أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً{63}
تخبر الاية الكريمة النبي الكريم محمد (ص واله) , بأن الله يعلم بما في قلوب المنافقين , وتأمره ( ص واله) بثلاثة امور , فيما يبدو انها العلاج الناجع للنفاق واهله :
1- ( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ) .
2- ( وَعِظْهُمْ ) .
3- ( وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً ) .
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً{64}
تتضمن الاية الكريمة عدة مضامين , نذكر منها :
1- ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ ) : من الله عز وجل الرسول , ومن الناس الطاعة والتسليم .
2- ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ ) : ضرورة الاستغفار بكل شروطه وكيفياته التي يذكرها اصحاب الفضيلة .
3- ( وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ) : من شهد الرسول ( ص واله) استغفر له , فكيف بمن لم يشهده ( ص واله) , فلا بأس اذا بالاستغفار والدعاء عند قبره ( ص واله) .
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً{65}
يقسم الباري عز وجل بما شاء , وفي هذا النوع من القسم يقسم الباري عز وجل بنفسه , ليصرح ان المنافقين لا يؤمنون الا بثلاثة شروط :
1- ( حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) .
2- ( ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ) .
3- ( وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ) .
نزلت الاية الكريمة على اثر خصومة بين الزبير بن العوام ورجل من النصارى على سقي نخيلهما المتقاربة في المكان .
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً{66}
تجزم الاية الكريمة في امرين :
1- لو فرض الله تعالى على هؤلاء المنافقين احكاما مشابه لما فرض على بني اسرائيل ( أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم ) لما استجاب منهم الا القليل .
2- ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ) .
وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً{67}
تفترض الاية الكريمة لو ان المنافقين فعلوا المقطع الثاني من الاية الكريمة السابقة , لأتاهم الله اجرا عظيما , وللمتأمل النابه ان يتأمل قوله عز وجل ( مِّن لَّدُنَّـا ) , ففيها انطوى الاجر العظيم ! .
وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً{68}
ثم لهداهم الله جل وعلا الى اقصر الطرق لنيل الخلود في الجنان , للمتأمل ان يلاحظ ( وَلَهَدَيْنَاهُم ) ففيها انطوى سر الهداية , حيث يلاحظ في كثير من ايات الهداية انها جاءت بصور تختلف عما عليه الحال في هذه الاية الكريمة .
وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً{69}
الاية الكريمة في بيان حال المطيعين لله ولرسوله .
ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً{70}
توجز الاية الكريمة اجر وثواب المطيعين لله ولرسوله بصورتين :
1- ( ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ ) : لك ان تتأمل في ماهية ذلك الفضل ! .
2- ( وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً ) : كفى به عز وجل عالما بأستحقاقات المؤمنين وما اعدّ لهم في الحياة الاخرة .
يروى في سبب نزول الايتين الكريمتين ( 69 – 70 ) , حديثا جرى بين الرسول (ص واله) وثوبان , قال رسول الله (ص واله) لثوبان : يا ثوبان ما غير لونك ؟ ! , فقال ثوبان : يا رسول الله (ص واله) ما من مرض ولا وجع غير اني اذا لم ارك اشتقيت اليك حتى القاك , ثم ذكرت الاخرة فأخاف ان لا اراك , واني ان ادخلت الجنة كنت في منزلة ادنى من منزلتك , وان لم ادخل الجنة فذاك حتى لا اراك ابدا .
يروى في سبب نزول الايتين الكريمتين ( 69 – 70 ) , حديثا جرى بين الرسول (ص واله) وثوبان , قال رسول الله (ص واله) لثوبان : يا ثوبان ما غير لونك ؟ ! , فقال ثوبان : يا رسول الله (ص واله) ما من مرض ولا وجع غير اني اذا لم ارك اشتقيت اليك حتى القاك , ثم ذكرت الاخرة فأخاف ان لا اراك , واني ان ادخلت الجنة كنت في منزلة ادنى من منزلتك , وان لم ادخل الجنة فذاك حتى لا اراك ابدا . |