بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{130}
الملاحظ في كل خطاب مباشر انه ينهي عن شيء , ويأمر بشيء واحد على الاقل , و في هذه الاية الكريمة ورد النهي عن شيء واحد , وامر بشيء واحد , حيث احتوى هذا الخطاب على :
1- ( لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً ) : نهي عن الربا .
2- ( وَاتَّقُواْ اللّهَ ) : امر بتقوى الله .
الملاحظ في الاية الكريمة , انها بعد ان نهت عن الربا , وامرت بالتقوى , ختمت بـ ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .
وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ{131}
يستمر الخطاب المباشر , مع التأكيد على التقوى , واجتناب نار العذاب .
الملاحظ في الاية الكريمة , انها اختتمت بـ ( النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) , قد يتصور البعض , ان النار جزاء الكافرين فقط , حسب منطوق و مضمون نص الاية الكريمة , اما المؤمنون في امان منها , لكن المؤمن مهما كان ايمانه راسخا وقويا , لابد ان يكون قد اقترف بعضا من الذنوب , في غفلة او جهل او لاي سبب اخر , فتجب عليه العقوبة ذلك الحين بدخول النار , لكن لمدة محدودة ( غير مخلد فيها ) , و هو ما يعرف بعذاب الرحمة , كما اشار اليه السيد الخميني (رض) , اما عن النار كمكان ومستقر فهو خالص للكافرين فقط ! .
وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{132}
يأمر الخطاب بنوعين من الطاعة :
1- ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ ) .
2- ( وَالرَّسُولَ ) .
واقع الحال , ان كلا النوعين لهما نفس المضمون , كون طاعة الرسول جزءا من طاعته عز وجل , وكون الرسول لا يأمر الا بما امر الله جل وعلا به .
اختتام الاية الكريمة ملفت للنظر , بعد الامر بالطاعة جاء النص المبارك ( لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) ! .
وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ{133}
يحفز الخطاب المؤمنين الى امرين غاية في الجمال :
1- ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) .
2- ( وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) .
ما يلفت النظر في الاية الكريمة , انها ذكرت امرين محببين الى النفوس ( المغفرة والجنة ) , ثم اختتمت بــ ( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) , بعد ان اكدت الايات الكريمة السابقة على موضوع تقوى الله .
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{134}
تذكر الاية الكريمة مجموعة من اعمال المتقين , او من ستشملهم فقرات الاية الكريمة السابقة :
1- ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء ) .
2- ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) .
3- ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) .
امرين يلفتا النظر في الاية الكريمة :
1- ( وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) : لا شيء يعدل ان يكون العبد في هذا المحل .
2- ثناء الله تعالى على من يتصف بهذه الصفات , لهو من ازكى وانمى وافضل الامور .
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{135}
يستمر الخطاب المباشر مبينا جانبا من جوانب المتقين , ذاكرا مجموعة اخرى من اعمالهم :
1- أ ) ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً ) .
ب) ( أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ) .
في هذين الموقفين السلبيين , يقوم المتقين بأمرين ايجابيين :
أ) ( ذَكَرُواْ اللّهَ ) .
ب) ( فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ ) .
2- ( وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) : وهذا اهم شرط في قبول التوبة والاستغفار ( عدم الاصرار على المعصية ) .
أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{136}
بعد ان بينت الايات السابقة , اعمال المتقين , يستمر الخطاب المباشر لبيان منزلة وثواب اعمالهم , فكان على نحويين :
1- ( أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ) .
2- ( وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ ) .
الملاحظ واللافت للانتباه في الاية الكريمة , انها اختتمت بـ ( وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) , من ذلك نستنتج ان هناك نوعين من المتقين :
1- متقي عامل : وهو المقصود في نص الاية الكريمة , حيث هؤلاء لا يكتفون بالعمل بالواجبات وترك المحرمات فقط , بل يزيدون عليها العمل بالمستحبات وترك اواجتناب المكروهات , واداء المندوب من الاعمال الخالصة لله تعالى .
2- متقي غير عامل : يكتفي هذا النوع من المتقين بالعمل على اداء الواجبات وترك المحرمات فقط , لكنه لا يضيف الا القليل من المستحبات , وترك المكروهات , وربما لا يقوم بأعمال مندوبة لله تعالى .
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ{137}
الاية الكريمة في محل توجيه للناس عامة , وللمؤمنين خاصة , لمتابعة وقراءة ومطالعة التاريخ , ودراسته , لاخذ العبرة والاتعاض بأحوال الامم السابقة .
هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ{138}
تشير الاية الكريمة , ان المؤمن الناصح يستنتج من كل ما تقدم , ثلاثة امور رئيسية :
1- ( هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ ) .
2- أ) ( وَهُدًى ) .
ب) ( وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ) .
يلتفت نظر المتأمل في الاية الكريمة الى انها وجهت البيان لكافة الناس , اما الهدى والموعظة فمن نصيب المتقين فقط ( او ان المتقي هو من يتعظ ) ! .
وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{139}
تطمئن الاية الكريمة المؤمنين , بــ ( وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ ) , طالما وان المؤمنين هم الاعلون , فلا داعي لامرين :
1- ( وَلاَ تَهِنُوا ) .
2- ( وَلاَ تَحْزَنُوا ) .
إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ{140} وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ{141}
تشير الايتين الكريمتين , الى ان المؤمنين يجب ان تمر عليهم ظروف قاسية , هي بمثابة التجارب على انواع المعادن , كي يستخرج منها المعدن الثمين , النفيس , الاصيل , وهم المؤمنون , اما حثالة المعدن , فتوضع في مكانها اللائق بها , وهم الظالمين ( الكافرين ) .
وايضا بمثابة الاختبار ( الامتحان ) , الذي يتعرض له التلميذ , قبل ان ينال شهادة ( وثيقة ) النجاح , كي ينتقل الى مرحلة اخرى , أعلى من المرحلة التي هو فيها , وهم المؤمنون , اما التلميذ الراسب , فلا ينال سوى الخزي والعار , وهم الكافرون ! .
حيدر الحدراوي
|