دور الإمام السجاد عليه السلام في تحقيق الوعي لتصحيح الكثير من الأمور التي كانت من سمات العصر، بعد دخول الركب الحسين إلى المدينة المنورة (سأله أحدهم من الغالب؟)
مفهوم الغلبة عندهم مقترن بالجيوش وبالقتل والسبي وسنابك خيل تسحق صدر الحسين ومن معه، رؤوس تقطع، والفارق كبير بين الغلبة بالمفهوم العسكري والغلبة بالمفهوم العقائدي.
يشكل فكر الإنسان عقائديا بفاعلية وعي الإيمان رضا الله سبحانه، واستمرار الدين لذلك كان جواب الإمام زين العابدين "عليه السلام" معبرا عن الواقع الذي لا يمكن لمثل هذا السائل لان يفهمه أو أن يدرك معناه.
كان الجواب له مساحة فكرية متميزة (إذا أذن المؤذن تعرف من الغالب)
السعي الدلالي يعيد لنا التصور الشمولي العام عن كربلاء، ولماذا واقعه الطف؟
وهناك من يعتقد إلى اليوم أن الصراع يقوم على أسس دنيوية ترجمها الكثيرون حسب أفكارهم وثقافتهم وأمزجتهم.
لولا واقعة الطف المباركة لكان الدين غير هذا الدين الذي بين يدي الناس اليوم، اختزل الواقعة المباركة في جملة واحدة، وفضح النزعة الدموية التي تحكم ترسبات العقل الجاهلي، ربط موضوع الغلب بمفهوم السماء، مفهوم الدين عند أئمة أهل البيت "عليهم السلام" له دور سياسي واجتماعي واقتصادي وعلمي وثقافي، لا يمكن فصل أي مرتكز من هذه المرتكزات، الدين يعمل على استقامة الحياة، واستقامة الحياة لا تخدم الطغاة، لهذا رسالة السماء تبحث عن من يتكفل هذه المواجهة الظالمة، من يديم هذه الرسالة السماوية، اليوم لو تكرر السؤال نفسه من الغالب لكانت الزيارات المليونية هي الجواب.
المجتمع اليوم يمتلك ثورة اتصالات ومعلومات وعلاقات افتراضية من أجل التواصل بين الناس، والناس ليس لديها في خضم هذا التطور وسائل اتصال مباشرة بين الإنسان والخالق سبحانه سوى الدعاء، وثقافة الدعاء عند أهل البيت "عليهم السلام" تختلف عن غيرهم، مشروع تواصلي بين الأرض والسماء، بين العبد وخالقه.
هناك مستويات من المعرفة والوعي تعد عناصر لقبول الدعاء، الأثر الزمكاني يساهم على مقبولية الدعاء في الأماكن المقدسة، وعند قبر الإمام الحسين "عليه السلام" الذي جعل الله تعالى الإمامة في ذريته والشفاء في تربته وإجابة الدعاء عند قبره، والأزمنة المقدسة رمضان / عاشوراء / عرفة، استثمار الوقت المميز للدعاء والوعي المعرفي يقودنا إلى الإيمان بمكانة أئمتنا أئمة الخير "عليهم السلام" لنتعلم منهم كيفية الطلب من الله سبحانه وتعالى، فيقول سلام الله عليه
(ولا تجعل عيشي كدّا كّدا، ولا ترد دعائي علي ردّا، فاني لا أجعل لك ضدا، ولا أدعو معك ندا)
السيد أحمد الصافي عزز هذا الوعي ليشرح تلك الفقرات بروح معرفية (فـ كدا كدا) ليس من باب التوكيد وإنما (تعب بعد تعب) والكد الضنك أو الضيق، والكدور التي تصيب الإنسان بعيشه، يستحب طلب الإنسان من الله سعة الرزق، يذهب أغلب الناس إلى أن هذا الطلب منسحب نحو المفهوم المادي، ويحصرون الرزق في وفرة المال، حصر الرزق في المال ناشئ من حب الإنسان للماديات، وإلا العافية رزق، والصحة رزق، والعلم رزق، وصحبة الأخيار رزق، والتوفيق رزق.
اشتغال الإنسان بهموم الدنيا يصل به الأمر لتهميش العلاقة بينه وبين الله سبحانه وتعالى، إن مصلحة الإنسان لا تتوقف عند قناعاته الدنيوية، فيفقد بسعيه حميمية الأسرة والعائلة، وما نفع المال إذا لم يخلق الاستقرار للبيت والعائلة، هناك أمور مهمة في حياة الإنسان، يحاول أن يتغاضى عنها لكونها ليست من الأمور الحياتية المباشرة، وإنما هي من قيم الولاء والانتماء وتعزيز الدين، لماذا يتجاهل بعض الناس قاعد (الدنيا مزرعة الآخرة) إن تكون الدنيا هي الرهان الوحيد تلك غفلة تسبب ترك الدين، ماذا يعني ترك الدين؟
سؤال مهم قد لا يهتم به البعض الاهتمام الكافي، في حال له معنى واسع في حياة الإنسان، ترك الدين يعني ترك الله سبحانه وتعالى، ترك المعرفة، ذلك المعنى الحقيقي لحياة الإنسان، فما نفع الحياة بلا معنى، في حالة نكد متعب اتجه المشروع الفكري لإعادة قراءة الدعاء وثقافة الدعاء، وتسليط الضوء على الموضوعات التي تهمشت بفعل الزخم الإعلامي، الصلاة واجبة الجميع يؤمن بهذه الحقيقة لكنها لو فقدت الإقبال الروحي فهي ترد حتى تضرب بها وجه المصلي، هذا هو المفهوم الحقيقي لوجود الدين، الله سبحانه وتعالى غير محتاج للفرد، الصورة الأوضح للمعنى العبادي لخصه الإمام "عليه السلام" على أسس وكل أساس له مبناه
(أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل وهو ساجد)
ما الذي نملكه أمام هذا القرب الروحي، وما الذي لا بد أن نتمثله ونحن في حضرة الخالق؟ ماذا نشعر؟ وماذا نقول؟ وماذا نسأل، وكيف ندعوه؟ وأفضل حالات الإنسان حين يكون داعيا
(المؤمن دعاء)
يعني كثير الدعاء ويعني أنه يعمر الخطاب الداخلي للنفس مع الله سبحانه وتعالى، ويرى الإمام "عليه السلام الله"
(ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها)
وأفضل تعريف عقلاني حقيقي، للمؤمن هو حسن الظن بالله سبحانه وتعالى (إذا دعوت فظن أن حاجتك بالباب)
علينا أن نبحث في جوهر المضمون يقول الله تعالى
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ﴾ يدعو الإمام السجاد "عليه السلام" (ولا ترد دعائي علي ردا)
لنفهم ضمير العبارتين بالمعنى الوجداني حتى نهيئ أسباب الاستجابة، رد الدعاء يكشف لنا عن عدم وجود تهيئة واستعداد صحيح، الإنسان الذي يأكل المال الحرام ويدعو فلا يجاب، يظلم ويرائي ويسرق ويطلب من الله أن يستجيب له الدعاء، (ولا ترد دعائي علي ردّا) مفعول مطلق فيه نوع من التأكيد، لا ترد علي هذا الدعاء يا الهي، الله سبحانه وتعالى ليس من طباعه أن يرد، لكن الله سبحانه وتعالى يعرض إذا لم يأت العبد بما يتقرب به إلى الله تعالى، ومعنى رد بأن لا يستجيب الدعاء، وأنا لا أجعل لك ضدا في ربوبيتك ولا أدعو معك ندا، والضد المعارض والند المكافئ وعدم اتخاذ شيء مع الله تعالى هو عين الوحدانية، ما يميز الإنسان هو العقل، وما يميز أهل اليقظة والحلم استخدام العقل بشكل صحيح، وإذا عاثت به الغفلة يصبح عاجزا عن إدارة الأفكار، وانغمس في الأمور المادية، حينها تذوب القناعات الصحيحة، ويستصعب بعض المدارك الشرعية والعقل السلبي أيضا له اشتغالاته في زرع الشك بوجود الله سبحانه وتعالى وبقدرته، وحين يرتبط الإنسان بالله يستحضر قدر المستطاع، إن الله سبحانه وتعالى بيده كل شيء وهو المسلط عليها ولا يمكن أن نقع في موقع لا يرانا فيه .