في خريف عام 1994، في مدينة سان أنطونيو بولاية تكساس، كان طفل يبلغ من العمر ثمانية أعوام يلعب مع أخته الرضيعة.. حاول تقليد مشهد من فيلم عن مصّاصي الدماء شاهده الليلة السابقة .. اقترب منها، عضّ رقبتها وهو يضحك ظناً منه أنه يمثل دوراً من اللعبة .. بعد دقائق، كانت الرضيعة قد فقدت حياتها .. وفي أوهايو عام 2012، ركض طفلان أحدهما لفّ حبل حول عنق الآخر وهو يقول (أنا الوحش وأنت الضحية) لحظات توقف اللعب، لكن الطفل الصغير لم يستيقظ .. وعندما سألته الشرطة قال عبارته الشهيرة(كنت أظن أننا نمزح فقط).
وفي أوتاوا عام 2014، كان طفل في التاسعة يلعب مع صديقه لعبة تقليد الشخصيات المرعبة التي شاهدها في مقطع على الانترنت، التقط سكين مطبخ، واعتقد أن دوره يسمح له أن (يطعن) لم يكن يفهم معنى الموت ولا معنى النزف ولا معنى السكين نفسها .. وبعد الحادث قال للشرطة(اعتقدت أنها جزء من اللعبة).
الطفل لا يمتلك قدرة الفصل بين الرمز والواقع كما نفعل نحن الكبار .. نحن نستطيع أن نقول لأنفسنا(هذا مجرد مكياج دم اوهذا مجرد تمثيل) وهذه مجرد أجواء احتفال .. أمّا الطفل، فيأخذ الصورة كما هي، دون ترجمة، دون سياق، ودون حدود.
نشاهد في مدارسنا اليوم ملامح واضحة للسلوك العنيف عند اطفالنا- السخرية من البكاء، الاستهانة بالأذى، (اللعب بالعراك)، الرغبة في الهيمنة، والتنافس عبر التخويف لا عبر الرفق .. ونشاهد أيضاً في المقابل أطفالاً يعانون كوابيس، أو ميلاً مفاجئاً للعنف اللفظي أو الجسدي دون سبب ظاهر .. هذه نتائج رسائل اجتماعية مرّت تحت الجلد وبرعاية الاسرة .. لا ننتبه الى ان الطفل يتعلم عبر التمثّل لا عبر الشرح .. البنات اللواتي يلعبن بالأميرات يكتسبن حساً بالجمال والرقة .. والأولاد الذين يرتدون زي الجندي يكبرون وفي داخلهم معنى المسؤولية والايثار والدفاع .. والطفل الذي يرتدي زي الوحش أو مصاص الدم أو الساحر الشرير لا يخرج من التجربة (خالياً من أثر).
وهنا، حين نحذرمن الاثر، يقال لنا فوراً(أنت رجعي) او (أنت تخاف من الثقافة الغربية) او(أنت متدين تفرض قيمك) او (يشوف كلشي مؤامرة) ويتناسى هدف التحذير وهو الخوف على ابنائنا، نعم، هذه الظواهر تطبيع مع ثقافة وحشية، وثقافة لا تأبه للقيم ولا لمعنى الرحمة.. لكن حتى لو وضعنا كل هذا جانباً، حتى لو نزعنا من النقاش الدين والتقاليد والهوية،
لا أقول إن كل مظاهر العنف في سلوك أبنائنا تأتي من هذا المصدر أو ذاك، ولكن أليس من الأولى أن نقلّل وجودهم في بيئات يتفاعل فيها الخيال مع صور الأذى والدماء؟
يبقى السؤال الأهم ..هل هذه اجواء لطيفة، رقيقة، انسانية؟ ماذا نزرع في نفوس أطفالنا حين نخفف حساسيتهم بأتجاه السلوك العنيف او الدموي؟
