البعض يتصرف بالتاريخ على هواه؛ يفلسف الأمور كما يشاء، ومثل ما يريد؛ ويعد أي رأي خارج محتوى منجزه كفر، لهذا يسأل الكاتب فاروق الظفيري نائب رئيس رابطة السنة والجماعة في العراق فرع إسطنبول
ـ هل حصل سبي للركب الحسيني كما تذكر كتب الشيعة الاثني عشرية؟
لنتأمل أولا في هذا المحور الذي أبدعه فاروق الظفيري وكأن التاريخ السني ينكر حادثة الأسر، بينما معظم المؤرخين من أبناء العامة ذكروا السبي، فقال ابن أعثم الكوفي (وساق القوم حرم رسول الله من كربلاء كما تساق الأسارى) فإذا يتهم فاروق الظفيري ابن أعثم بالتشيع، نقرأ له ما ذكره الطبري، أم سيوجه له تهمة التشيع هو الآخر، وهو من أئمة أهل السنة و الجماعة، وصاحب كتاب الرسل والملوك (تاريخ الطبري) ويقول ابن تيمية أن تفسير الطبري أصح التفاسير، فقد روي هذا المؤرخ عن أحداث السبي روايات عديدة في تاريخه، تذكر عملية سبي نساء أهل البيت في كربلاء، ونقل صور موجعة حتى يصل الأمر بالرجل الشامي ليطلب من يزيد (هب لي هذه الجارية) قالت فاطمة بنت الحسين ليزيد (أ بنات رسول الله سبايا يا يزيد؟)
ولنذهب إلى شهادة محمد بن سعد صاحب الطبقات الكبرى، عالم ومؤرخ من أهل الجمهور السنة والجماعة، اشتهر بكتابه الطبقات الكبرى، والكثير من روايات علماء السنة تتفق مع كتب الشيعة الاثنا عشرية، فهل يا ظفيري ستتهم علماء دينك ومذهبك بالتشيع أيضا؟
وصف ابن سعد دخول السبايا إلى عرش يزيد وهم مقرنين بالحبال، قال له علي بن الحسين زين العابدين "عليه السلام" برواية بن سعد يا يزيد ما ظنك برسول الله لو رآنا مقرنين في الحبال أما كان يرق لنا؟
وأزيد للشيخ الظفيري شهادة ابن حبان البستي، وهو عالم سني شافعي يشتهر بعلمه في الحديث ورجاله، علامة حافظ محدث وهو قاضي شيخ خراسان، من كبار أئمة أهل الحديث، يقول ثم أنفذ عبيد الله بن زياد رأس الحسين بن علي إلى الشام مع أسارى النساء والصبيان من أهل بيت رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم على اقتاب...
وصف حال الأسارى بصور مؤلمة، تؤلم ضمير كل غيور، وذكر الأسر السبط بن الجوزي فقيه ومؤرخ وعالم سني حنبلي، تحدث عن الأسر والحبال يقول:
- (لم يبق في القوم أحد إلا بكى) وشهادة ابن الأثير الجزري عالم مؤرخ سني شافعي، روى في تاريخه غصصا تدمي القلوب في تعامل بني أمية وأشياعهم مع نساء أهل البيت كالسبايا؛ وذكر ابن كثير الدمشقي عمليات النهب والسلب والسبي، وأبو الفرج بن الجوزي ومحمد القرطبي والقندوزي، هل هؤلاء العلماء كلهم شيعة؟
وهم علماء الجمهور وعلماء ابن العامة، فإلى أي مذهب ينتمي فاروق الظفيري وأمثاله؟
يفسر لنا الظفيري الأسر بلغته الخاصة التي يراعي فيها مشاعر قومه وتاريخه فيقول: الطريق الذي سلكه مبعوث ابن زياد من الحكومة إلى الشام ومعهم من بقي من آل البيت من النساء والأطفال "رضي الله عنهم" تأمل في هذه اللغة الناعمة، المغالطات التاريخية التي أحدثها كثيرة تخالف كل أولئك العلماء، علماء دينه ومذهبه السني، تأمل في لغة الظفيري، (ومعهم من بقي من آل البيت).
طيب لماذا أخذهم إلى الشام أليس بطلب يزيد ليحقق لذة النصر ونشوة الغرور؟
أما كان يكتفي بقتل الحسين "عليه السلام" وهو ابن بنت نبي الله؟
وبقي الرجل الظفيري يشاغل نفسه، تارة يفسر الأسر لغة، وتارة مصطلحا، ومرة أخرى يبرر الأسر، ويتعامل مع أهل البيت بلغة الأسر ولغة الشراء والمملوكية، ويعتبر ما عمله يزيد مقنن شرعا، وإنما يغافل الأسر ويعتبر اسم الأسر إرسال أهل البيت ليس سبيا كما يقول الشيعة، لنقرأ ما كتب (أرسل يزيد إليهم ليرجعهم إلى المدينة المنورة موطنهم الحقيقي لحمايتهم)
عجيب هذا الرجل بما يحمل من عقلية، لمن يكتب؟ ولمن يخاطب؟
هو لم يحترم نفسه، بهذه الحجة المريرة أرسل يزيد على السبايا إلى الشام ليوصلهم إلى المدينة لحمايتهم، ومثل هذه الحثالات نجد الكثير ممن يقتحم بلغة متفردة ومفاهيم لا معنى ولا حقيقة لها، ولا مرجعية سوى الأمزجة والمصالح ودفاعها عن أسيادها من حكام بني أمية.
