مفهومِ الفَتح عندَ الإمَام الحُسَين علَيهِ السَّلَام مَن تخلفَ عَنَّـا لم يُدرِكِ الفَتح

اِستهلَال ،
إِثــرَاءِ الـنَّـصِ المعنَـى الأَعمَـق، إِستـدلَالٌ شُمـوليّ لمسَاحَاتِ تنَـاغُـمٍ وَوَحـدَةِ هـدَف،  يـمتنعُ عـن الـتجزئَـةِ والـتفكيــرِ الـمُجـرَّدِ لمفهومِ الـفَتح،ويُـؤَوِّلَهُ إِمتدَدًا حيًَّا يرفضُ التَجَدُدَ والفتورَ والسكون ويفتحُ بَابَ النَقدِ على مصرَاعيه، لـتَحضَى تــدَاوليّـةِ نصِّـهِ المَتيـن عن إِمكـانَـاتٍ توَاصِليَّةٍ بالغـةٍ بينَ الــمُخَـاطِـب والــمخَــاطَـب ويكـأَنَّ الإِمَــامَ الحُسَين قَـد فَرَغَ عن لسَـانِ الـوَصيّ، فمَـا بينَ نبيٍّ وإمَـام، ينبلـجُ الـفَتـحُ رَسـولًا مِن يقين يَذكِـي جينَـاتِ الأجيَــالِ فهمًـا ويُثقِفُ   صدورًا صدَأت مِن اِطِّرَادِ الجَاهليَّة، 

مُقدَّمَـة، 
خِطَـابٌ نـوعـيّ ذو تقنيَّــةٍ علميَّــةٍ يُـؤَثٓـثُ لميكـانزمَاتٍ عَـابِرَة لـلآنيّة ،تحمِلُ الــفَتحَ نَاموسًا طبيعيًا قَادرًاعلى إِحدَاثِ مُعٕالجَـاتٍ حُرَّةٍ تَصُـبُّ في إِصـلَاحِ مُتَغيّـرَاتٍ شُموليّةٍ  كوّنيـَّةٍ بيئيـَّة،يُستَشَفُ مِن إعـلَانهِ تـأويـلًا يُجَـرِّمُ زمكانيَّةِ حَـدَثِهِ ويُحيلَهُ واقِعّا سقيمًا حَرِجًا يبعَثَهُ علَى سريرِ شِفَاء.

ميكانزمَات الفَتح ..

▣ الفَتحِ المَاديّ
لـقد أَثبتَت نهضَـةِ الإمَامِ الحُسَين علَى مَرِّ الأَزمِنَة، أَنًهـا فتـيَّـةً لاتشيـخ، وأَنًَها خلقًـا إِبدَاعيًـا أَوّرَثَتِ الأُمَّـةَ فِكـرًا خِصبًـا مُنتِجًـا يطـرَحُ مُعَالجَـاتـهِ مـدَىٰ لَا صـدَىٰ، ومَا أَن تُمسِـكُ بمَفَـاتـِحَ عَـاشورَائـِهِ تَـعـقِـدُ نَـصـرَ فَوزِهَا العظيم؛ فتُسقِـطُ عن أَذرُعِهَا أغلَالَ سـلَاسِـل الـوَهَن لـيلوحَ لَهَـا نصـرًا يـليـقُ بوَجَـاهَـةِ أَهـلِ الإيمَان، ومَـا سيعدّونَهُ مِن قــوَّةٍ لـيُرهِبـوَا بـهِ عَــدوَ اللّٰـهِ وَعَــدوَّهُم ستغـدوَا شهُـبَ حِمَـمٍ تنفِـرُ مِن بينِ أيديهِم خِفَـافًـا وثِقَــالًا ويكأنًها تفـلِـتُ مِن عِقَــال، لـتَتَفَجَـرَ وَهَجًـا بحنَـادسِ ليــلٍ يَجِـرُّ أذيَـالَ الـخَيبَـةِ والـخنوع ، فَتـَرَىٰ الإِمَامَ بإِعلَامهِ الحدَاثويّ يشِقُّ غبَارَ الأَزمِنَة ليُسقطَ وَاقعَ نَهــجِ الـطفّ خـطَّ حيـَـاة فيُحـرِّكَ المخيَـالَ لأتـونِ مَلَاحمِهِ وَيستـأنِفُ بِهَا منَاقبَ قَالـعِ البَاب!ليرسمَ بحسِّهِ التعبويّ اسلامًاحرَكيًا يـرفَــعُ أيقونَـةَ ذي الـفَقـارِ حديثًـا نبَـويًـا: {ضـربَةَ علـيٍّ يـومَ الـخندق تُعـَادلُ عِبَـادةِ الـثَقَلَـين} لـيُلقِـحَ تـلَافيــفَ عقـولٍ عقَـرَت أَن تُنجِبَ لكرَامَتِهَا وَليدًا يأخذُ بقوّةٍ خِطَابَ عَاشورَائِهِ بحـسٍّ عَلََـويٍّ حُسَينـيٍّ لـيَطرِقَ سنَادينَ الأَسمَاعِ بصَليلِه؛ لـيَنعَمَ مَن يأَتـيَ بعدَهَــا مِنَ الـمُستضعفينَ بنَهــجِ نهضَتــهِ الـتَضحويَّـة، مُتَـزوديـنَ بعنفـوَانِهَا، وهـيَ تُسَطِــرُ مفَــاهيمَ حَــربٍ شموليّـة تَـتَـرفَـعُ معَـانيهَــا الـسَامِقَـة عـن إحـرَازِ مـَاديَــاتِ مسَاحـاتِ الغَـلَبَـة؛ لـتمحـوعـن ذاتِ الأُمَّـةِ كـربًا توَالَـى علَيهَا بألـوَانِ البَـلَاء،وليَـأخُذَ بمَعَاصِمِ الأحرَارِ بلوغِ الفَتح .
▣ الفَتحِ المعنَويّ  
الإندفَــاعُ نحـوَ حومَـةِ الإستشهَـاد،تجسيدٌ لـصـورةِ روحٍ تـأبَــى الإِنـزوَاءَ في إطَــارِ الكسوف فترَاهَا تسعَـى لـمرَاقي سمـوِّهَـا، وبخروجِهَا نحوَعوَالمِ الإِشرَاقِ تُدَرِّعُ ذلكَ الجسمِ الوَاهِنِ بقوَىٰ حصينةٍ لطالَمَاأغلَقَت مَاديَاتهِ عنهُ منَافِذِ السَّبيـل، فبَاتـَت حبيسَةَ الـظَّـلَام ،لِـذَا تـرَاهَا تنـزَعُ لكَمَالِها فتُحقِـقُ لثوّرةِ بَقَائها معنَى ينتمي لحقيقةِوجودِهَا، فــلَا يُمكِـن أن تُـقـَـارَنَ مـعَ مَـن خَــرَجَـت بإنـدفـَاعٍ  قسـريٍّ محكـومٍ بعوَالِـمِ الخَوفِ والــطمَع وغيَـابِ الـهَدَفِ الـذي مِن أَجلِـهِ تعرَّضَت، فشَتَانَ مَابينَ مقتول ٍ وَمُضحّي! ولايأتي هذَا الـفعلُ جُزافًا مِن دُونِ أَن يَمُرَّ بتـنقيـةِ الـشَّوَائبِ الـعَالقَةِ مِن أَهـوَاءِ حُبَّ الـذَاتِ والـركونِ للسكونِ والسَّلامَة، فتلكَ مسَاحَة ُحَربِهَا بَلّ سوحُ جِهَاد غالَبت فيهَا النَّفسِ الـهوَى، ومَا بروزِهَا فـي ميَـاديـنَ الإختبَارِ إلّا تحقيقٌ لإِنتصَارِ الفعلِ الوَاعي في دوَامَــاتِ الـعَقـلِ الـذي يَـرسِـمُ حـجُـبَ الخَيَال وَيُرّكِزُعلَامَاتِ الإِستفهَامِ شوَاخِصَ تيـهٍ في دهَاليزِالخَوف؛ لتَنحَجِرَ النَّفسَ في قَيدِ الخَوَر!فترَى الإِمَامَ علَيهِ السَّلام يوَّجِهُ سِهَامَ الغلَبَةِ المُدَّخَرَةِ عنَاصِرَ نجَاحٍ تُطَارِدُ الـنَّفسَ كـي تعرِجَ بِهَـا علـوًّا لتـنقِذَهَا مِـن زوَايَـا الهرَب، فيوصِلَها لِـلَحظةِ الـوثوق، فَـتُطِـلُّ علَى عـَالمِ إرَادتِهَـا مُختَـارَة ؛لأَنَّـها صـورةً آدميّـة لَـم تُـدَنِسَهَا أدرَان محَـاجـرِ الوَهَن،ولِتَقَفَ بعيدَةً عن محبَسِهَا مُكـتَفيَـةً بشَمسِ ذَاتِـهـا فتُغَـادِرَهَـا شَمسِ الظَّلَام .
  
▣ الفَتحِ الفطري
الفَتـح،دعوةٌ لإنتهَـاجِ المسيرةِ الكربلَائيَّـةِ
كـوّنَهَا تؤسِّسُ لـحرَكةٍ استبَـاقيَّـةٍ معرفيَّـةٍ حيَــاتيَّــةٍ نهضَويّـَـةٍ مبنيَّــةٍ علَـى مفهــومٍ علميّ، ليٕـصـلَ بالأمَّـةِ نحـوَ تطبيـقِ نهــجِ الـعَـدلِ الإلٰـهيّ، فكـانَ لابُـدَ مِن أَن ينهَضَ بِهَـا الـصَالحـونَ دُونَ غَيـرِهِم ليُـصَحِّحـوَا المسَـارَ ويَرِثوَا الأََرضَ فيُعمِروهَا مِن بَعدِ الـخـرَاب..فترَى الإِمَامَ قد حرَّكَ فيهِم نَهجِ الـفطرَةِ الأَسمَى ؛ كوّنَهَـا تتـآلفُ بطبيعَتِهَا مـعَ الإستـطَــاعَـةِ الـبَـشَريَّــة ولأنَّ  فعــلِ المَعصومِ يتنَافَى معَ الخَطَأ مِن حيث كوّنَهُ الأقــدَرَ والمُلـزَمَ بتحمُـلِ مسؤوليَّـةِ قيَــادةِ التغييـرِ الكُبرَى، نرَاهُ قد  أَقبَـلَ علَى تغييرِ الإنقـلَابِ الحَـاصلِ بالرجـوعِ السَّليـمِ وَبِمَا يتـوَافقُ معَ الـفطرَةِ التكوينيَّة، وهذَا بذَاتِهِ يُلزِمَهُ أن ينتهِجَ فعلًا مؤثِرًا دَاخِلَ الضَميرِ الإنسـَانيّ،ومُرَاعيًـا بالـوَقتِ ذَاتـِهِ شـوَائبَ وَتَـــرَاكُـمَـاتَ حِـقَــبٍ مَــرَّت علَـى الأَرضِ الـبشَريَّـة مِن كـوّنِــهِ يتعَـامَـلُ مِن منظـورٍ عـالميّ، جَـاءَ رافعًا ندَاء السَّمَاء: بيَا أيُّهَا النَّـاس؛ ليُلبسَهُم نورَهَـا فَينتَبِهـوَا لِمَا آلت اليـهِ نفــوسَهُم من ضيَـاعِهَا، فيُصلِحُ بِهَـا مملكـتِـهِمِ الإِنسَـانيَّـةِ مِن بَعـدِ أن خَـاضَـت غمَــارَ معرَكــةِ الأَهــوَاء والتـي مَـسَخَـت هُويَـتَهَـا الإنسَـانيَّـة نحـوَ أوّديَــةِ السِّـبَـاعِ الـظوَاري وتلكَ حقًا مهَـاوي الـفنَاء. 
    
 
▣ الفَتح فوزٌعظيم 
الإِمَــام، يـفـتَـحُ بأركـانِ فلسَفَتـهِ إِمكَـانَـاتٍ تأويليَّةٍ راقيَّـة،عـرَجَت لتبَادُليّـةٍ حُـرَّةٍ بيـنَ المَوتِ والحيَـاة قَـادِرةٍعلى إِعَـادةِ شُهَـدَاءِ الطفِّ لمُجَاهَدَةِ البَاطِـل بمُنَازَلَاتٍ مُتَـعدِّدَة، إصطِفَافًا ًمعَ أقـوَامٍ سـيَرعَفُ بهِـمِ الـزَمَان وَرَثـوَا مِنَ الطـفِّ حرَارَةَ نهضَتِه،فاندكَـت  جينَاتَهُم بقيَمِ دمَائِهم الزكيّة إندكاكًاعقَائِديًا فأَحَــالَ عنَاصِرَهُمِ الأَربعَةِ لـوحدَةِ أَوَاصِـرَ تكـوينيَّـة؛ ليستحيـلَ صَـالِحَ الـعمَلِ شفيعًـا لنَشَـآتٍ أُخَر!.فتلـكَ دورَةُ حيَـاةِ الصَالحين يُضَاعَفُ لَـهُمُ الأَجـرَ كُـلَّ حينٍ وذَاكَ أَعظمُ عِنـدَهُـم مِن مُشَـاهَـدَةِ فـرَاديـسَ الـجِنَـان،
ولِمَا للإمَـامِ مِن قُـدُرَاتِ قيادةٍ تكـوينيَّـة لَهُ أَن يتجَاذَبَ معَ أَنصَارهِ في كُلِّ الإِتًجَاهَـاتِ والــمسَـاراتِ بتَـعَــدُّدِ زمَكــانيـتَـهِم كـلَمـحِ البصَـر، وَهـذَا مَا يُـقـرِبُ اِمتــزاجِ دمَائِـنـا بـدمَـاء الـطفّ ،فلَامَانعَ مِن بلـوغِ الأَجِنَّــةِ للفَـتـح وإِن كـانَـتِ الأطوَارُ الـبشريَّـةَ فــي غيَاهِـبِ أَوعيَّـةِ الأَصلَابِ والأَرحَام، ومِـن كلَامٍ لأَميرِالـمُؤمنيـنَ فـي نهجِ البلَاغَة،لمَّا أظـفَرَهُ اللّٰهُ بأصحَابِ الجَمَل، حيثُ قَــالَ لَهُ أَحد أَصحَابَه:وَدَدتُ أَنَّ أَخي كانَ شَـاهِـدَنَـا ليَـرَى مَـا نَصَـرَكَ اللّٰـهُ بـهِ علَـىٰ أَعـدَائِك؟
فَقَالَ الإمَام: أَهَوَى أخيكَ معَنَا؟ فَقَالَ نَعَـم، قَالَ علَيهِ السَّلام:فقد شهِـدَنَا،ولَـقَد شَهِـدَنَا في عَسكَرِنَا هَـذَا أَقوَامٌ في أصلَابِ الرِّجَالِ وَأرحَـامِ النِّسَـاء، سَيَـرعَـفُ بِهِـم الـزَّمـانُ وَيَــقــوَى بــهِـمُ الإِيـمَــان فحتـمًـا سيَنَــالُ اللَاحقينَ بعَـاشورَائهِ علَى إِمتِــدَادِ الأَزمِنَةِ بلوغَ شرَفِ الفَتح .
         
*(أَهوَى) أَرَغَبَ بنُصرَةِ الإِمَامِ عليّ 
أو مَالَت نفسَهُ لمحَبتِه؟

الحسين_الفتح.jpg