كل شأن من شؤون العلم والفطنة والحياة يحتاج إلى تربية لنشره وتثقيفه وكسب المجتمع إليه، التربية تعبر عن وجوده وتعمق الإيمان والقبول وتمنحه هويته الفاعلة، والدعاء في مدرسة الإمام السجاد "عليه السلام" منهج تربوي لا بد أن ينتبه له التربويون والأخلاقيون، وأن يتدارس المؤمنون ثمرة من ثمرات وجود المعصوم لأهل البيت "عليهم السلام" في حياتنا، والتربية تعني استثمار قدرة الإنسان ضمن محور السلوك الاجتماعي والإنساني القويم، وقراءة أربعة محاور مهمة تكشف عن فاعلية التأثير التربوي على الإنسان
**
(المحور الأول... بين الرجاء والخوف)
التواجد الإنساني بين الرجاء والخوف يسهل فهم العملية التربوية، العبادة المخلصة لله تعالى تمنح الإنسان حالة التوازن (يرجو من الله ما لا يتوقع) فلسفة المنهج التربوي لرؤية أهل البيت "عليهم السلام" وعلاقة الإنسان في تحقيق القاعدة الأساسية (مخافة الله سبحانه) التي لا تقف عند حدود العبادة مهما كثرت، أهداف هذا المنهج عدم الركون إلى حدود عبادية توهمنا بالرضا، بالمقابل هناك شأن تربوي آخر لا يقل أهمية، أن لا يأس من روح الله سبحانه وتعالى مهما جاء الإنسان بالمعاصي، وأن كانت معاصي الثقلين، العملية تحتاج إلى وعي لإدراك التوازن.
سماحة السيد أحمد الصافي يرى أن عملية الموازنة عملية في غاية الأهمية، في نفس المؤمن إذا غلب أحدهما على الآخر حصل الهلع وعدم الاستقرار وعدم السكينة.
الفلسفة التربوية ترتكز على علم النفس، وهذه الحالة الطبيعية التي لا بد أن يكون عليها المؤمن (اليأس من رحمة الله من الكبائر) واليأس وهن كبير في المشاعر يفقدها الأمان، وتهبط العزيمة لذلك هي من الكبائر (الأمن من مكر الله تعالى من الكبائر) الأمن من مكر الله سبحانه أن يصل بالإنسان إلى مرحلة أن لا يخاف عقوبة الله سبحانه، وهذه الحالة لا يصلها الإنسان إلا من خلال الجهل أو الغرور، أي أنه يأمن العقوبة، فنصل إلى مفهومين الإنسان اليائس لا رجاء عنده، والإنسان الآمن من مكر الله لا خوف عنده.
جاء في وسائل الشيعة (إن النبي موسى "عليه السلام" ذهب ليقتبس لأهله نارا فانصرف اليهم وهو نبي مرسل) رحمة الله واسعة حتى أن إبليس لعنه الله يحلم بها.
***
(المحور الثاني... الاستغناء بالله تعالى)
كان توجه البحث حول قضية عدم الانصياع إلى التجاذبات والبقاء في الجادة الوسطى، وحالة التوازن، لنتأمل دعاء الإمام السجاد "عليه السلام" (وتوجني بالكفاية، وسمني حسن الولاية)
١-يكتفي الإنسان عندما يهيئ الله من يكفيه أمورا
٢-القناعة... أن يقتنع ويكتفي بالمتيسر الموجود
(توجني)
التاج... علامة توضع على الراس المهم، التتويج عناية (توجني بالكفاية) الاستغناء عن الآخرين والاستغناء استقرار (تاج الكفاية) المفهوم التربوي يختلف من مجتمع إلى آخر، ومن فترة زمنية إلى أخرى، والمجتمعات تختلف، وهذا التشخيص يظهر لنا شمولية التربية عند الأئمة المعصومين "عليه السلام"، مدرسة شاملة تصل إلى كل الأزمنة والأمكنة، لا بد أن تكون مفهومة واضحة تتعايش منهجيا مع جميع الرؤى.
نحن بحاجة إلى توضيح من سماحة السيد أحمد الصافي، الكفاية وعدم الحاجة والاستغناء عن الناس هذا أمر مفهوم، لكن من طبيعة إنسانيتنا أن يحتاج أحدنا إلى الآخر.
(الجواب) الفارق كبير بين حاجة الذلة، وبين حاجة التعايش، وهي لا ترتبط بما عند الإنسان من مال.
كثير من أهل المال غير متوج بالكفاية، بل حالة الجشع تسيطر عليه، الكفاية منهج وتربية تعني الحياة عند البعض، وإعداد الفرد ليحب الحياة، والتربية هي حسن الخلق والدين والفكر.
لو تأمل الإنسان في حراك الدنيا، ناس يدخلون الدنيا، يولدون وآخرون يودعون، ناس تدخل وناس تخرج، والفارق أن الذي يدخل بعمر واحد، والخارجون بأعمار متفاوتة، قد يخرج صبيا أو شابا أو شيخا، تنقطع العلائق بالدنيا ويبدأ أول يوم من الأخرة، وعندما يدرك الإنسان هذه الحقيقة سيبتعد عن الحرام.
منهج أئمة أهل البيت "عليهم السلام" هو منهج القرآن الكريم، يصور الدنيا مزرعة الأخرة، الزراعة هنا والحصاد هناك.
***
(المحور الرابع... الولاية الحسنة)
لو جمعنا كل ما قيل في التربية والأخلاق وكسب ونمو الشخصية، والنمط السلوكي والهدف والإعداد الصالح، لنصل إلى معنى واحد هو المسؤولية، مسؤولية تحمل الإنسان نفسه والعائلة والعمل والشؤون العامة، هل يستطيع الإنسان أن يعرف إمكانيته في صيانة العهدة، هذا هو حسن الولاية، أن نفهم ونعي ما نقراه في الدعاء، لننال قسطا من العلم والمعرفة، وسعة الفكر، والثقافة، والأدب.
لندرك حينها حجم المسؤولية التي تقع على عواتقنا نحن اتباع مدرسة أهل البيت "عليهم السلام"
