أن كلمة "الأستاذ" ليست مجرد لقب أكاديمي، بل هي فكرة فلسفية ترتبط بالمعرفة، والعلاقة بين المعلّم والمتعلّم، والفكر والتربية، والحكمة والحقيقة. فمن الناحية الفلسفية، فالأستاذ هو أكثر من مجرد ناقل للمعرفة؛
هو الوسيط بين الحقيقة والعقل المتعلم. فعند أفلاطون: يعد الأستاذ هو المرشد إلى الحقيقة، وليس من "يُلقّنها"؛ أما أرسطو: فعنده ،الأستاذ هو المرشد إلى الحقيقة، وليس من "يُلقّنها"؛ في حين يرى الفارابي: أن الأستاذ (المعلّم) هو من يقود الإنسان نحو الكمال العقلي والأخلاقي، ويشبّهه بـ الطبيب للنفس الإنسانية، أي أن التعليم عملية تهذيب للعقل والروح معًا. الأستاذ هو الكائن العاقل الذي ينقل الإنسان من حالة الجهل إلى وعي الذات والعالم.
ليس كل من اعتلى منصة التعليم أو جلس خلف مكتب رسمي يستحق أن يُلقب بـ الأستاذ، فهذه الكلمة، على بساطتها، تحمل بين حروفها تاريخًا من الاحترام والمهابة، وتُطلق على أولئك الذين تركوا أثرًا في العقول والقلوب معًا. تبدأ من المعلم الذي يخط أول حروف النور في ذهن الطفل، وتمر بالأستاذ الذي يفتح آفاق الفكر، وتمتد لتشمل القاضي والمحامي ، وسائر من جعلوا من العلم سلاحًا، ومن الحكمة زادًا.
أن تكون أستاذًا، فذلك تشريف، قبل أن يكون مهنة، إنه مقام رفيع يتطلب من صاحبه أن يترجم لقبه إلى سلوكٍ وسَمْتٍ يليقان به، فالهندام الأنيق ليس ترفًا، بل انعكاسٌ لاحترام الذات والآخرين، وما أجمل أن يكون الأستاذ، قارئًا نَهِمًا مثقفا، لا ينام قبل أن ينهل من معين المعرفة، متابعًا لما يدور في السياسة والمجتمع والقانون، ليظل فكره يقظًا وضميره حيًا، ويتمالك نفسه عند المغريات الزائلة ، كي يحافظ على مكانته وسط مجتمعه المحيط به من أساتذة وطلبة، ورجال فكر وقانون، فهو القدوة لهم في كل شيء. أما السلوك، فهو مرآة اللقب؛ فالأستاذ الحقيقي، يتحدث بميزان العقل والذوق، يعرف متى يتكلم، ومتى يصمت، ويبتعد عن الإنفعال والردود السريعة ، يتعلّم من كل ما يمر به من أحداث، ويصغي لحكماء قومه ليستزيد من خبراتهم، يتسامى عن الصغائر، ويبتعد عن الجدل العقيم، يحافظ على اتزانه بعيدًا عن اللغو والجدال . إن لقب "الأستاذ" لا يُمنح بقرار، بل يُكتسب بالخلق والسلوك والثقافة والعلم، هو وسام أخلاقي قبل أن يكون صفة وظيفية أو مهنية، ومَن حمله بحقّ، حمل معه مسؤولية، أن يكون قدوة يُحتذى بها في القول والفعل والمظهر. إنه لقب لمن يستحق أن يُقال عنه فعلًا: هذا هو الأستاذ. ولمكانة العلم وأهله عند الله سبحانه وتعالى ، فقد وردت فيه العديد من آيات الذكر الحكيم ؛ ففي قوله تعالى: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) ، سورة المجادلة: الآية: 11، وكذلك قوله تعالى: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) ، سورة الزمر: الآية:9.
