تأتي أهمية هذا المقال في ظل إقتراب موعد الإنتخابات النيابية في العراق، وهي محطة مفصلية قد تحدد ملامح المستقبل السياسي للبلاد ، وتجيب عن الكثير من الأسئلة الكبرى المتعلقة بمصير الدولة العراقية. ومن هذا المنطلق يسعى المقال إلى تسليط الضوء على العقد الاجتماعي الفريد الذي تمثله المرجعية الدينية في النجف الاشرف، بوصفه أحد أهم صمامات الأمان في العراق الحديث، وضمانة لإستقراره ووحدته وسط التحولات والتحديات التي تواجهه.
لم تحدث ثورة في فلسفة نظام الحكم والدولة في دين أو مذهب من المذاهب على مر التاريخ البشري كما حدث في المذهب الإسلامي الشيعي الاثنى عشري في القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين. يسأل العالم الشرقي بصورة عامة، والغربي بصورة خاصة، أين توجد كل هذه الأفكار التي نسميها بالمصطلح الحديث، الجمهورية والديمقراطية ، أو على الأقل التعبير الديمقراطي عن التطلعات المحلية الشيعية؟ وقد برزت شخصية السيد علي السيستاني المرجع الأعلى للشيعة في العالم، كشخصية من أكثر الشخصيات تأثيرا في العراق، وذلك لدوره الكبير في التحولات السياسية والإجتماعية بعد عام 2003م، مما أدى إلى أن أطلقت عليه الصحافة العالمية بأنه "صمام أمان المنطقة"، او" دلاي لاما الشيعة"، أو " الزعيم الذي يضبط نبض العراق لوزنه الروحي".
تعد نظريات العقد الإجتماعي إحدى أهم النظريات في علم الفلسفة السياسية منذ قرون، وعنوان: العقد الإجتماعي للمرجعية الدينية الشيعية في النجف الاشرف، هذا العنوان اشتقته من قرائتي لكتاب " النصوص الصادرة عن سماحة السيد علي السيستاني في المسألة العراقية" من إعداد حامد الخفاف. تصفحت صفحاته، وتاملت جميلا في عباراته، من مواضع مختلفة ومتفرقة، فوجدت هذا الكتاب هو ميدان خاضه السيد علي السيستاني مع المرجعية الدينية في النجف الأشرف إلى أوجه الكمال والخير العام للإنسان، فيه ترسيم دقيق لمن يتصدى للحكم وإدارة العراق، مع اراءه كرجل حكيم وفيلسوف ومتصوف يعرف مواقع الصواب ويبصر مواضع الإرتياب ، ويحذر من معالق الإضطراب.
يعد هذا الكتاب خلاصة فكر وفلسفة ورؤية السيد علي السيستاني والمرجعية الدينية في النجف الأشرف والذي غير وجه العراق بعد عام 2003م، فعلى الرغم من تاريخ العراق الدموي ووطأة الإستبداد والقهر والهيمنة غير الشرعية الذي عاشه العراق والعراقيون تحت طائلة النظام السابق، استطاعت المرجعية الدينية الشيعية الخروج بعقد جديد لعهد جديد في العراق.
قدمت المرجعية الدينية في النجف الأشرف أسس جديدة لبناء الدولة العراقية بعيدة عن مفهوم الدولة الدينية وفق رؤية مغايرة لنظرية ولاية الفقيه، وأن الرؤية التي تبنتها المرجعية الدينية الشيعية في النجف الأشرف في إدارة المسألة العراقية لا تستهدف بناء دولة شيعية بالمعنى الفكري والمذهبي، وإنما بناء دولة مدنية تشترك فيه جميع مكونات الشعب العراقي العرقية والدينية والمذهبية، ومختلف الإتجاهات الفكرية والسياسية ببناء هوية وطنية ثقافية جامعة تستند على قاعدة العدل الإجتماعي، ولتحقيق هذه الغاية النبيلة التي تحفظ كرامة الإنسان وعزه، وفق ما تقدم لابد أن يكون هناك عقد اجتماعي بين الشعب العراقي والحكومة من جانب، وبين مكونات الشعب العراقي من جانب آخر.
هذا العقد ظهرت صورته من خلال الفتوى الدستورية الشهيرة للسيد علي السيستاني التي أسست لبناء الدولة العراقية الحديثة وفق نظام يعتمد التعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع إلى صناديق الادإقتراع، وحث العراقيين على الإشتراك في الإنتخابات لتقرير مصيرهم بأيديهم، وإحترام القانون، والحفاظ على المال العام، ونبذ العنف والثار، والعمل وفق قاعدة الصالح العام.
ومن خلال قراءتنا لبعض النصوص التي جمعها حامد الخفاف في كتابه، وبعد تفكيك هذه النصوص وجدنا مايلي: المرجعيه الدينية تميز بين القيمة كفضيلة والقيمة كأخلاق، وبين القيم الروحية. ويمكن القول بأن المرجعية الدينية رؤيتها وفلسفتها للقيم تستند على قاعدتين اساسيتين وهما جوهر العقد الاجتماعي لديها: الأولى، هي الحق الطبيعي، والثانية هي القانون الطبيعي.
كذلك هذا العقد يعطي مفهوم الدولة، والسيادة، والمجتمع السياسي، والدستور.
لذا يمكن القول دون تردد بأن المرجع الديني الشيعي السيد علي السيستاني هو صاحب نظرية العقد الاجتماعي في العراق.
لمن يرغب بمطالعة البحث(25 صفحة)، فإنه منشور أضغط هنا
