حسب الوقائع التاريخية المثبتة، ان هناك وثيقة معاهدة بين الامام الحسن ومعاوية، نقضها معاوية بعدما اعتلى كرسي الخلافة، ومن بنودها بعد خلافة معاوية تأوول الخلافة للحسن ان كان على قيد الحياة، او لاخيه الحسين عليهما السلام، ولكن معاوية نقض العهد، فاعتلى يزيد الخلافة بالظلم والعدوان والمعروف عنه معاقرة الخمر والسهر مع الجواري والراقصات، فبدأت رسائل الامام الحسين البليغة التي هزت الضمائر الانسانية الحية في وقتها، وايقظت الوعي الجمعي لخطورة الموقف، مثلا من كتبه لمعاوية : (ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه)، ونلاحظ ان الامام استخدم الطرق السلمية حقنا للدماء، وفي كتاب للوليد بن عتبة والي المدينة: (أيها الأمير إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق، فاجر، شارب للخمر، قاتل النفس المحترمة، ومثلي لايبايع مثله)، وهنا وضع الهدف الرئيسي من ممانعته لمبايعة يزيد، مستعملا الطرق الدبلوماسية الصحيحة، وتعرية مساويء يزيد، الذي يعرفه القاصي والداني، وهذه الحالة اظهرت الجوانب الواقعية من معارضة الحسين لخلافة يزيد، وكان العامل الثاني المُلح لثورة الحسين رسائل اهل الكوفة، التي بلغت الالاف يحثون الحسين بالقدوم لاجل مبايعته، ومن ثم كتابه لاخيه محمد بن الحنفية، الذي نصح به الحسين في خروجه لقتال يزيد، فقال له: (أني لم أخرج أشرا ولابطرا ولاظالما ولامفسدا، انما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي)، وكما يتبدى لنا من خلال هذه الرسائل ان الحسين من دعاة السلام، وكان الحسين رجل غير عادي، يشار له بالبنان وعليه مسؤولية القيام بالمهمة، لهذا طلب الاصلاح.. ودليل اخر هو خطاب زهير بن القين (رض)،أحد صحابة الإمام في ساحة المعركة:(ياأهل الكوفة نذار لكم من عذاب النار نذار، إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن أخوة على دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا نحن أمة وأنتم أمة..)، وبقي الحسين عليه السلام يستخدم الطرق الدبلوماسية في اقناع الناس واقناع خاصة بني امية في احقيته بالخلافة، حيث وصل عليه السلام الى قناعة ، وبنى قراره السياسي على فتوى اقتنع بها في مقاومته للحكم الأموي، فهو يرى أن بني أمية لم يلتزموا حدود الله في الحكم، وخالفوا منهج رسول الله – صلى الله عليه واله وسلم– والخلفاء الراشدين، وهي من الحجج في معارضة خلافة يزيد، لانها أي تنصيب معاوية ليزيد مثل استبداد بني امية ومخالفة مبدأ الشورى في الحكم وبهذا الحسين "ع" بنى فتواه على تسلسل منطقي شرعي، فاستبداد بني أمية، والشك في كفاءة وعدالة يزيد، توجب عدم البيعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على علماء الأمة، ومن أكبر المنكر حكم بني أمية واستبدادهم، وبما أن الحسين ليس في عنقه بيعة، وهو أحد علماء الأمة وسادتها، فهو أحق الناس بتغيير هذا المنكر، وعلى ذلك فليس موقفه خروجاً على الخلافة وتسلسلها المنطقي، بل هو تغيير المنكر، ومقاومة للباطل، وإعادة الحكم إلى مساره الإسلامي الصحيح، ومما يدل على حرص الحسين "ع" على أن تكون فتواه وتحركاته السياسية في مقاومته للحكم الأموي متماشية مع تعاليم الإسلام وقواعده، امتناعه عن البقاء في مكة عندما عزم على مقاومة يزيد، حتى لا تستحل حرمتها وتكون مسرحاً للقتال وسفك الدماء، فيقول لابن عباس: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن أقتل بمكة وتُستحل بي.وبقي على موقفه في رفض البيعة ليزيد كون الاخير لايصلح خليفة للمسلمين؛ نظراً لانعدام توفر شرط العدالة فيه، كما أن الحسين أفضل وأحق منه بمنصب الخلافة، فهو أكثر منه علماً، وصلاحاً وكفاءة وأكثر قبولاً لدى الناس من يزيد، أما على الصعيد السياسي فلانعدام شرط الشورى، والاستئثار بالسلطة للحكم الأموي، والذي يخالف المنهج الإسلامي في الحكم، وبعد أن صفّ ابن سعد جيشه للحرب ، دعا الإمام الحسين (ع) براحلته فركبها ، و نادى بصوت عال يسمعه جلّهم :( أيّها الناس اسمعوا قولي ، ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حق لكم عليَّ ، وحتّى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإن قبلتهم عذري ، وصدّقتم قولي ، وأعطيتموني النصف من أنفسكم ، كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم عليّ سبيل ، وإن لم تقبلوا منّي العذر ، ولم تعطوني النصف من أنفسكم ، فاجمعوا أمركم وشركاءكم ، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ، ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون ، إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولّ)، من هنا فإن ثورة الإمام الحسين سلكت مسلك السلام وابتعدت عن استخدام لغة الحرب منذُ البداية، وقد جاهد (ع) لمنع وصول الأمور الى درجة المواجهة العسكرية، ولم يكُن موقفهُ من السلام ومنعه لنشوب الحرب خوفاً، أو نتيجة لكثرة العدو، بل كان موقفاً ثابتاً ومبدأ راسخاً حملهُ الإمام منذُ مجيئه إلى العراق، ولمّا نظر الإمام الحسين عليه السلام إلى جمع بني أمية كأنّه السيل، رفع يدَيه بالدعاء وقال:« اللهمّ، أنت ثقتي في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبةً منّي إليك عمَّن سواك فكشفته وفرّجته، فأنت ولي كلّ نعمة ومنتهى كلّ رغبة)
