الفضائيات الشيعية بين التقنية والمعتقد

انفتاح المؤسسات الدينية الشيعية على آليات الاعلام المرئي (الفضائيات) وسط عجاج القنوات المختلفة، يشكل خطوة مهمة بل ظاهرة ايجابية، حيث تطل على عدة علوم من ذات المعنى.. تربويا ولغويا واجتماعيا وعلميا... وثمة مميزات عديدة كسبتها الفضائيات الشيعية لابد لنا من المحافظة عليها، فهي ولله الحمد ابتعدت عن المسار الطائفي والتحريض على القتل والتهجير القسري، وتحصّنت بقيم مذهبها الرشيد، لتصبح علامة مميزة في سماء الدعوة لحفظ كرامة الإنسان من الإبتذال، وسعيها لبث روح المحبة والتآلف والسلام.. تلك امور لانقاش فيها، لكن النقاش الحقيقي لابد ان يدور حول امكانياتها التقنية من حيث الاعداد والاخراج... للاسف الأعم الاغلب منها تعوزها حرفة الاعداد والتقديم الفني المتحرك، والذي يمتلك جواذب نفسية وشعورية وايمانية.. نعم هناك جمود واضح إذ يرتكز معظم ما يقدم على لقاءات وحوارات عادية ومكررة، فيعتمد على المضامين دون الالتفات الى تنشيطها بأساليب اعدادية متطورة، فالمحاضرات الدينية مثلا تنقل كما هي، لتخاطب عبر الفضائيات العالم بنفس الاداء الذي تحاور المؤمن المنتمي في مجالسنا الوعظية، ومنها الحسينية، أي نقل منابرنا الارضية الى فضائية يسمعها ويشاهدها العالم بأسره، بالتأكيد يحتاج الى خطاب اكثر حداثوية، ليتم من خلاله استيعاب النهج الامامي المثقف المتسع على رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية، وعرضها بطرق غير مباشرة، فالخطاب المباشر مهما كانت حيويته لايستطيع أن يجاري تأثيرات الفن الدلالي والايحاءات، وباقي الطرق السياسية المتقنة.. هذه الفضائيات فعلا تحتاج الى مراجعة جذرية وشاملة من حيث الرؤية، وطرق تناولها واعدادها بالشكل المؤثر، ومراجعة لغة التخاطب واستبدالها بموحيات فنية تؤدي الغرض التوصيلي بحيوية الجذب الشعوري تحتاج الى مراجعة حقيقية في آليات الاداء، لكي يكون فاعلا ومؤثرا، وإلا فكثرتها وازدياد عددها لا يعني شيئا اطلاقا، ما لم تتم العناية بأساليب الطرح الممنهج، والذي يأخذ بنظر الإعتبار مستويات المتلقين الإدراكية، والنضج، ومدى التقارب والميول، فالطرح الصحيح والمثمر يأتي بنتائج إيجابية على المدى القريب، وحتى البعيد، لأنه يعتمد على قاعدة (كلـِّم الناس على قدر عقولهم) والتي أكد عليها أئمتنا الأطهار عليهم السلام، فالمحاضرات المباشرة والصريحة والتي فيها الكثير من أسرار أهل البيت عليهم السلام تأتي بنتائج عكسية بالنسبة للمخالفين لا يتحملها يقينهم، فيجب اتباع الحرفنة الدقيقة وعرض الخطوط العريضة للمذهب، والتي تتوافق بشكل كبير مع بقية المذاهب الإسلامية، وصولا لخلق أكبر مساحة اسلامية مشتركة.

7.jpg