من لا ينكوي بنار الشوق ولم يبادر لشق أمواج الشّقاء بسفينة الهوى لن يشمّ عطر الوصال ولن يتذوّقحلاوة اللقاء.

الصبر على ظلمة الطريق تُنسج وشاح القُرب؛ والوعيُ نعمةٌ لتلك القلوب التي فرّت من صراخ التائهينوضجيج النائمين وتفاهة المُعدمين واتّجهت نحو صمت المُبصرين، ونقمةٌ على الجازعين في البحث عنالأحياء والخائفين من مرافقة الأموات.

الطريق الى النور سفرة تضرب بأعماق الروح ... تشدّ العاشق الى المعلوم .. وتغمره بضياء الحقيقة ... وهجٌ يعمي ابصار الزيف ويرفع الستار ليكشف جمال الحق. 

فكما تنبثق الحقيقة من صفاء الروح وصدق البصيرة، فإن نور السعادة تنبعث من أحشاء الشقاء المبصر.

ما الوحدة وما الظلمة وما الوحشة في  ذلك الطريق إلا ذلك السُلّم الذي لا يرتقيه إلا من آيس من القاع،وأيقن أنّ النهاية ستفضي نور الطمأنينة. 

هكذا اخبرتهم الطيور التي تطوف محلقةّ حول الكعبة ... هكذا تحدث إليهم بصمت ميزاب الرحمة، أنّالمسير في عتمة الكرب وأنين الوالهين في دَيجور الشدة، إلا الطريق نحو صلاة العاشقين في حضرةقدس الأقداس.

الصبر على فراق الحبيب هو مرايا  لماعة يُبصر بها العاملون، ويطمئن المنتظرون، وينتظر المطمئنون؛ ماكان لله ينمو وما ليس له يسقط في مستنقع النفاق. 

إن في الوحشة هتاف يسمع الجميع، صوت يكاد لا ينقطع .. نداءُ حِكَمةٍ نطق بها حكيم الحكماء حينماقال: " وعَلِمَ من أين وفي أين وإلى أين."

طوبى لمن أدرك بعد طول سفر، وامتلأ قلبه نورًا بعد أن احترق بنار طهّرت معدن الروح وأجْلَت النفس منصدأ الغفلة. طوبى لتلك الوجوه التي شقّت طريقها وسط رياحٍ فكشفت التراب عنها حتى باتت مشرقةوبانت نقية. ان صحراء القلوب الغافلة لا يروي عطشها الا الخطوات الواعية. ففي كلّ خطوةٍ ينمحيديجور الخفاء وينبثق نور عن وجه حضور الحقيقة ، نورٌ يشع فينير الطريق. 

لا تشكو من اثقال البُعد وألم اشواك الطريق، ولا تفر من أنين الوحشة فأنت لست الموجوع إنما انت الذيأيقن ان من لا يشق امواج الشقاء لن يدرك حلاوة اللقاء.