هكذا عمل بحاجة الى جهود كبيرة خالية عن العواطف معتمدة على العقل والمصادر الموثقة واساس المصادر سند الروايات يجب ان يكونوا من الثقاة بعيدا عن من كتب عن الائمة عليهم السلام مع احترامنا لما كتبوه وما بذلوه من جهود من اجل خدمة تراث اهل البيت عليهم السلام .
هذا لا يعني ان في بعض الروايات التي تم نقلها فيها ما يستحق الدراسة وحتى الرفض لما فيها من مساس بشخصية المعصوم عليه السلام حيث يلتفت القارئ الى جانب معين من الحديث دون الالتفات الى الجانب الاخر الذي فيه طعن بشخصية الامام من جهة اخرى .
الاستشهادات والامثلة كثيرة ولانني بصدد تاليف كتاب عن الامام الهادي عليه السلام فان الكثير من الروايات المتناقضة وقعت بيدي ولانني لا اريد الحكم على صحة او عدم صحة الرواية لجات الى المقارنة بين رواية في عدة مصادر جاءت بصيغ مختلفة تثير الشكوك او تعارض رواية اخرى .
طبعا هنالك راي تكون لدي عن سيرة الائمة عليهم السلام ان الامام الذي لم تصلنا سيرته بما يستحق فان الاغلب يحاول ملء السيرة بروايات المعاجز والكرامات والاحلام ، اما الذي سيرته غنية بالتراث الروائي فان رواية المعاجز تكون قليلة عنه كما هو الحال مثلا بين سيرة الامام الصادق عليه السلام ( فترة امامته 34 سنة ) مع سيرة الامام علي الهادي ( فترة امامته 34 سنة ) نجد فرق كبير ففي سيرة الامام الهادي عليه السلام ذكرت ( 136) رواية عن ما يخص التشريعات ومثلها او اكثر روايات عن علم المنايا والمعجزات والغيبيات .
استشهد بهذه الرواية عن سيرة الامام الهادي عليه السلام بخصوص تعيين مؤدب للامام عليه السلام في المدينة .
رواية رقم (1) : عن محمد بن عيسى عن هارون عن رجل كان رضيع أبي جعفر ، قال : بينا أبو الحسن عند مؤدّب له يكنى أبا ذكوان وأبو جعفر عندنا ، أنه ببغداد وأبو الحسن يقرأ في اللوح على مؤدبه إذ بكى بكاءاً فسأله المؤدب مم بكاؤك ؟ فلم يجبه . فقال ائذن لي بالدخول، فأذن له فارتفع الصياح... . ثم خرج إلينا فسألناه عن البكاء ؟ فقال : إن أبي توفي الساعة ..( دلائل الامامة ص 219 ، إثبات الهداة، ج ۳، ص ٣٦٨)
هنا لاحظوا السند وان المؤدب هو ابو ذكوان .
رواية (2) : وروى محمد بن عياض، عن هارون، عن رجل كان رضيع أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، قال: بينا أبو الحسن (عليه السلام) جالس مع مؤدب له - يعني أبا زكريا - وأبو جعفر عندنا ببغداد، .... الى اخر الرواية (دلائل الإمامة: 415 / 379، بصائر الدرجات: 487 / 2، إثبات الوصية: 194)
هنا لاحظوا ان المؤدب هو ابو زكريا
يلتفت كل من نقل هذه الرواية الى العلم الغيبي او الالهام الالهي للامام الهادي عليه السلام في معرفة ساعة وفاة ابيه ولكن الم يثبت لدينا ان الامام لايعلمه ولا يؤدبه غير ابيه هذا اولا ، وثانيا ان كان لدى الامام علم والهام الهي فما حاجته بالمؤدب ؟ وثالثا من خلال التضارب باسم المؤدب وسند الرواية نجعلنا نقف عندها ، رابعا لو صدقنا هذه الروايات فاننا ننكر العلم اللدني لدى المعصوم .
هنالك رواية اخرى عن المؤدب وهي اكثر عقلانية ومصداقية ونصها :"
عمر بن الفرج المرخجي قدم المدينة وقال : ابغوا لي رجلا من أهل الأدب و القرآن و العلم لا يوالي أهل هذا البيت لأضمّه الى هذا الغلام ـ يقصد الامام الهادي (ع) ـ و أوكله بتعليمه و أتقدّم إليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه و يمسونه.
فسمّوا له رجلا من أهل الأدب يكنى أبا عبد اللّه و يعرف بالجنيدي متقدما عند أهل المدينة في الأدب و الفهم ظاهر الغضب و العداوة واوكله بالامام
فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن في القصر بصَرْيَا فاذا كان الليل أغلق الباب و أقفله و أخذ المفاتيح إليه.
فمكث على هذا مدّة و انقطعت الشيعة عنه و عن الاستماع منه و القراءة عليه. وعندما سئل عن الغلام الهاشمي اجاب : تقول الغلام، و لا نقول الشيخ الهاشمي، ثم قال: فاني و اللّه أذكر له الحزب من الأدب أظنّ اني قد بالغت فيه فيملي عليّ بابا فيه استفيده منه. و يظنّ الناس اني أعلّمه، و أنا و اللّه أتعلم منه.
(اثبات الوصية : 230 ، لعلي بن الحسين المسعودي ، المتوفى سنة 346 هجرية ، طبعة سنة : 1426 هجرية ، قم / إيران .)
هذه الرواية تضرب كلتا الروايتين اعلاه وهذا الاستشهاد قطرة من بحر ومن الله التوفيق
|