• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : لو بايع الحسين ..  .
                          • الكاتب : فاطمة ابراهيم .

لو بايع الحسين .. 

 في ظل الظروف الصعبة التي عاشها أئمة أهل البيت "ع"، من ظلم وتعسف وغصب للخلافة التي نصّها الله عز وجلّ لهم بعد رسول الله "ص"، كان من الممكن أن يُقال " لماذا لم ينحو منحى الإمام الحسين "ع"، بأن يثوروا ضد الظلم والجبروت؟  لماذا ثار الإمام الحسين "ع" دون من بعده من الأئمة؟"

          في الحقيقة، لم تكن ثورة الإمام الحسين "ع" ضد الظلم بحد ذاته - مع مشروعية هكذا ثورة - إنما كانت ضد تشريع الظلم وتخدير الناس، كي لا يؤازروه في ثورته، كل هذا بإسم الدين. وهو ما يشكل خطرًا في بقاء الإسلام الأصيل والحقيقي، وانتشار الإسلام الأموي الذي يوجب على المسلم الخضوع للحاكم على ظلمه وفجوره وتسلطه وانحرافه. فاخترعوا أحاديث عن لسان رسول الله  "ص" في وجوب طاعة الحاكم مهما ظلم. وإليك هذه الأحاديث عن أم مسلمة عن النبي "ص" أنه قال " إنه يستعمل عليكم أمراء، فنعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال لا ما صلّوا." (1)
ومن الأحاديث التي ابتدعوها عنه "ص" أنه قال:" أطِع الأمير ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطِع."(2)
أما عن فسق يزيد وفجوره، فأمره متروك إلى الله (على مبدأ مذهب الإرجاء)والحسين "ع" بنظرهم ثار ضد إمام زمانه، وقد خالف إرادة الله بذلك. فالله يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء.  بمعنى: إذا فعل الأمير المنكر، فأنكِر بقلبك، وأما قتال هذه الأمير فغير جائز، ما دام يصلّي، حتى لو ظلم وفسق وانتهك الأعراض والحرمات، فأرجئ أمره إلى الله وهو يحاسبه. 
          وهذا بطبيعة الحال يناقض القرآن، لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. لذا كانت مقولة "الإسلام محمدي الوجود، حسين البقاء. إذ لو بايع الحسين "ع"، لما بقي الإسلام الصحيح، ولكان الإسلام الوحيد في الدنيا هو إسلام بني أمية، الذي سيرفضه كلّ عاقل، لا بل كل بشري. ولذلك سيقوم الناس بثورة على بني أمية، وبالتالي سيرفضون الإسلام من أساسه، لأن الناس لا يميزون بين المبدأ والشخص، كإسلام داعش في زماننا الحاضر. مما سيؤدي إلى اندثار الإسلام كليًا، فحتى الآذان لن نسمعه، فببركة ثورة الحسين "ع" تم الفصل بين الإسلام المحمدي الأصيل، وبين إسلام بني أمية.
          والدليل أن هذه الأحاديث موضوعة ومكذوبة عن رسول الله "ص" وإن أسندوها على لسان كبار الصحابة "رض" مثل حذيفة بن اليمان وأم سلمة زوجة رسول الله "ص"، أنها تخالف نص القرآن والفطرة البشرية. والنبي يقول أن الإسلام دين الفطرة. أما مخالفتها للقرآن، فقد وردت حوالي أربعمائة آية قرآنية ضد الظلم والظالمين منها:" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار (3)، لتأتي هذه الروايات فتقول اركنوا إلى الذين ظلموا، وإلا فتمسكم النار. 
          بعدما تبين لنا خطورة تشريع الظلم، نستنتج أن الخطورة تنسحب على كل القيم إلى يوم الدين. ففي عصرنا الحالي، نجد من يسوّق - بإسم حقوق الإنسان - للمارسة حريته المطلقة في كل ما يشتهيه، حتى لو أدّت إلى زعزعة المجتمع وتفكيك الأسرة وانتشار الفوضى والعبثية. "والذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا". 
          هذه الممارسات الشاذة عن الفطرة البشرية موجودة منذ القدم، وهي وإن كانت بحدّ ذاتها مؤذية للفرد نفسيًا وجسديًا ولا تخلو من خطورة، ولكن خطورتها الآن تكمن في محاولة تشريع هذه الإنحارافات، ليخضع لها الناس بكل طوائفهم لتنتشر الرذيلة ولتلغي الأديان من النفوس، ويُتّهم المعارض بالتخلف والرجعية. 
           قد يقول قائل بأن هذه الممارسات هي حرية شخصية، ولا يحق لنا أن نفرض على بشري أن يكبت أهواءه وغرائزه لمجرد أن الدين ينهى عنها. 
 
(1)الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، الجزء الأول في تفسير سورة البقرة الآية 30. 
(2)عن حذيفة بن اليمان (وهو من أحلاء الصحابة) عن رسول الله "ص". 
(3)سورة هود، آية 113
          الجواب هو أن آثار هذه الممارسات لا تظهر إلا بعد ومن طويل، فالإيدز مثلًا انتشر نتيجة المشاركة الجنسية، ويُقال بأن كورونا كانت نتيجة أكل الناس للقطط، وغيرها من الأوبئة والأمراض المستعصية والمزمنة الناتجة عن مخالفة الفطرة البشرية، التي يراعيها الدين. وهو الذي يحلّل لمصلحة ويُحرِّم لمفسدة، والله عالم بخلقة البشر وهو الذي خلقهم ويعلم كل ما يضرهم وينفعهم. 
          هذه الأمور قد يدركها العقل البشري دون حاجة لأمر أو نهي من الدين، وقد لا يدركها، ولكن الدين يشير إليها ويؤكّدها ويحثّ عليها أو ينهى عنها.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=209380
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 10 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 10 / 23