من حيث الغاية من المهنة هي نقل الحقيقة الى الراي العام ، ولكلاهما تكون الدقة والمصداقية من ضروراتهما حتى تكون محل ثقة للراي العام ، ولكن الاختلاف في ماهية الموضوع تختلف من حيث اهتمام المؤرخ او المترجم بموضوعه ، فالمؤرخ يؤرخ لحدث حدث امامه والمحقق في التاريخ هو جمع ما كتبه المؤرخون لحدث معين والمقارنة فيما بينهما لاثبات دقة احدهم ، اما المترجم وكما هو الحال هو ملزم بترجمة النص بما هو وبدقة عالية ونقل المعنى الى القارئ الكريم ، لكن المترجم يختار ما يراه مناسب لذوق وثقافة المجتمع الذي يكتب له لاسيما بعض الكلمات التي ليس لها ترجمة عربية فتكتب بالمعنى وهنا الامانة تلعب دورها.
ومن هنا فقد تصدى الكثير ممن ليسوا اصحاب صنعة سواء في التاريخ او الترجمة للكتابة عن ما يحلو لهم ، بل حتى التشابه والسرقات والتحريف اصبح امر متداول بين الكتاب ، وهنا اثناء قراءتي لمقدمة المترجمة د مشاعل عبد العزيز الهاجري لكتاب نظام التفاهة التي اشادت في تسليط الضوء على الترجمة فانها استشهدت بمقولة للكاتب السوري عبد اللطيف الفرحان حيث يقول : "الكتابة عندي فرض كفاية، إذا كتب غيري وأجاد عن الموضوع فلا أجد كتابتي إلا تكراراً. وبالتالي، فعزوفي عن الكتابة عنها ليس موقفاً، بل إيماناً بأنه ليس لدى ما أضيفه لقضية واضحة ومحسومة وصريحة. فالكتابة ليست إثبات موقف بل إضفاء قيمة معرفية ".
وهنا اقول بحثت اولا عن سيرة الكاتب السوري فلم اجد له تعريف حتى سالت الذكاء الاصطناعي فاجابني بانه لم يعرفه ، وحتى الدكتورة المترجمة تكتب تعريف باسماء الشخصيات التي تذكرها في هامش الصفحة الا هذا الكاتب السوري لم تذكر عنه شيئا ، والتزاما بمقولة الامام علي عليه السلام انظر الى ما قيل وليس الى من قال ، وعليه فان ما قاله الكاتب السوري من وجهة نظري انه عين الصواب وهو معيار مهم لمعرفة هوية الكتب ، وقد نحرج لو ذكرنا عناوين كتب معينة ، لكن اعود لعبارة للدكتورة مشاعل ليس لها مصدر وهي ، الترجمة كالمراة ان كانت جميلة فهي غير امينة وان كانت غير جميلة فهي امنية ، القصد ان الحقيقة لا احد يتقبلها وان كان هذا حكم مبالغ فيه لكنه واقع موجود .
وعليه لو ذكرت المؤلفين الذين الفوا مثلا عن سيرة اهل البيت عليهم السلام وقمنا بالمقارنة فانها من حيث المعلومة لا اختلاف بينهم الا قد يكون البسيط اليسير وخصوصا في الروايات التي هي محل شك اما السيرة بالعموم فهي نفسها بلا تغيير ، وطبقا لفرض الكفاية فان الكثير من الكتب يمكن الاستغناء عنها ، نعم هنالك اسلوب يختلف عند كل كاتب لاجل ايصال المعلومة ، وحقيقة المعلومة واسلوبها لا تاخذ طريقها من غير اعلان منفصل عن الكتاب لغرض الترغيب .
ومن هنا اعود للمؤرخ والمترجم ، فالمؤرخ كما هو المترجم لا يحق له اضافة وجهة نظره ضمن النص التاريخي او ما يعتقده بانه يريد ايصال المعلومة كما هي للقارئ لربما فيها تسامح للمترجم الا ان المؤرخ مهنته خطيرة ، وخطا التوثيق يعاني منه اجيال اما خطأ الترجمة فيمكن معالجته من خلال المقارنة مع الاصل .
تبقى اصل المعلومة التي يكتبها المؤرخ او المترجم هي الاهم في الارتقاء بثقافة المجتمع وبكل التوجهات ، اما استخدام بهرجة الكلمات المنمقة ـ حقيقة انا لا افهم اطلاقا المصطلحات الحديثة على وزن السايكلوجية وغيرها ـ فان اصحاب الصنعة غالبا ما يلتفتون لهذا الاسلوب حالما يقراون كتابا جديدا فانهم يبحثون عن المعلومة واسلوب توثيقها وتطابقها مع نصوصها ، قال مالك بن نبي عن بعض الكتابات في زمنه انه " لكم راينا اناسا يتصدرون الحياة العامة فيتناولون الاشياء لمجرد التفاصح والتشدق بها " ، هذا في زمنه ولو عاش زماننا هذا لراى كل من صاحب مال يستطيع ان يكتب موسوعات باسمه يساعده على ذلك الاجهزة الحديثة من الكومبيوتر وغيرها ، وهذه الكتابات اصبحت تاريخ سلبي للمستقبل ومادة فاسدة للترجمة ، والنتيجة لم نحصل على النتيجة المتوخاة من الكتابة ، هذا لا يعني اطلاقا بل هنالك كتب قمة في الروعة من حيث المضمون الثقافي اما التاريخ فانصح لمن يريد ان يكتب عن هذه الحقبة فليكتب بالورقة والقلم وما يرى وان تابع عبر وسائل الاتصال فعليه ان يتحقق من المعلومة لان الذكاء الاصطناعي اصبح بيد ملاعين .
|