• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع :  فهرسة المحررات تناجي صاحب الرأي لتنضيد المؤلفات .
                          • الكاتب : د . نضير الخزرجي .

 فهرسة المحررات تناجي صاحب الرأي لتنضيد المؤلفات

 الكتابة والتأليف صنعة كأية مهنة يتداولها الإنسان، تبدأ كهواية وتنتهي كاحتراف ومهارة، ولكنها تكاد تنفرد بين بين الحرف والصناعات أن أدواتها في الغالب تكون في غرفة أو زاوية من زوايا المنزل، فالنجار أدواته في ورشة عمله، وتقني السيارات في مرآب عمله وكراجه، والصائغ في محل عمله، حتى ولو كان الكاتب والمؤلف والباحث يعمل في صحيفة أو مؤسسة ثقافية أو مركز بحثي أو جامعة أو مدرسة علمية أو دينية وما شابه، فستظل أدواته هي الأخرى قائمة في منزله ولو بشكل مختصر، فإحدى أدوات الكاتب هي المصادر والمراجع ومؤلفات الآخرين التي يرجع إليها أو يستزاد منها معرفة أو يستمتع بقراءتها ولو من باب الترفيه المعرفي، فالكاتب إذا ملَّ من قراءة كتاب ينتقل الى آخر ترفيها وترويحا عن النفس، وهذه الكتب شاء أم أبى ملازمة للكاتب في منزله ومكان عمله ولا فكاك منها.

وعدد غير قليل من الكتاب عندما تحيله دائرة عمله على التقاعد، يجد منجاته من الملل والضجر والانقطاع القسري عن أصدقاء الأمل وخلان العمل في اللجوء إلى أدواته ومكتبته الشخصية يقضي عندها ساعات ارتياحه وضجره، وهي متعة لا يجد مبلغ الانتشاء فيها إلا أصحاب الرأي الذي يعتبرون مداد القلم ماء حياة للإنسانية، وقد وفرت وسائل التواصل الاجتماعي روزنة جديدة يطل منها الكاتب على العالم إن كان حراً أو مقيداً بوظيفة عمل أو متقاعداً، وهي نافذة مشرعة جميلة ومفيدة وإن كان عيبها أنها بلا قضبان حديدية أو حواجز تحجر على المتطفل الولوج إلى باحة المعرفة، فصار كل من يدخلها ولو كان متعكزاً على كلمات عرجاء كاتباً ومؤلفاً(!).

وما يميز عالم التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية بالنسبة للكاتب والمؤلف عن عالم ما قبل النت، أن الكتابات تبقى عائمة في العالم الافتراضي يستطيع أن يرجع إليها متى ما أراد، وفي عالم ما قبل النت والشبكة العنكبوتية تظل الأوراق والكتابات محشورة في مكتبته الشخصية أو متناثرة هنا وهناك، إذا لم يسعف الحظ كاتبها في جمعها بين الطيتين ويظهرها للعلن في كتاب مطبوع ضاعت مع أول يوم يوضع فيه خده الأيمن على أديم الأرض منتظراً قدوم الملكين المقربين منكر ونكير ليسألانه عن عمره فيما أفناه، ويكون هذا الثاوي في باطن الأرض محظوظاً لو ترك من ورائه ابناً صالحاً يجمع ما خطه يمينه ولم تسعفه الأيام في طباعتها، فيكون الثاوي أكثر حظاً فيظفر بالثلاثية الغنّاء: (إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) كما أخبرنا بذلك رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم، لأن الكتاب كما أعتقد هو أحد مصاديق الصدقة الجارية، وإذا ظفر الإنسان بهذه الثلاثية بعد رحيله فقد نال حظاً عظيماً وقليل ما هم، لأن معظم الأبناء ومن خلفهم يعيشون في عالم آخر لا يعنيهم ما كتب والدهم وألف وما ترك من علوم ضاقت عليه الدنيا فلم يستطع تنضيد أوراقها في كتاب ينتفع منه الناس.

وقد لا يأتي الظفر من الابن المباشر، فقد يقدم الحفيد أو حفيد الحفيد على جمع ما تناثر من علوم الجد الأعلى ليكون في متناول يد العالم والمتعلم، وهذا ما أقدم عليه الفقيه المحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي عندما جمع آثار أجداده وأبيه في كتاب من ثلاثة أجزاء أسماه "فهرسة المحررات في شرح المؤلفات" مع عنوان أصغر أطلق عليه "تحفة نبوغ الكرباسي في نتاج نسوغ الرواسي" إشارة إلى جهوده الطيبة في جمع وتوثيق مؤلفات الرواسي من أجداده العلماء ابتداءً من الجد الخامس، وانتهاءً بأبيه.

 

أجداد ووالد

وحيث وثَّق المؤلف الكرباسي في الجزء الأول مؤلفات جده الخامس الفقيه الشيخ محمد جعفر بن محمد طاهر الكرباسي الأشتري النخعي (1080- 1175هــ = 1669- 1761م)، وثَّق في الجزء الثاني حياة جده الرابع الفقيه الشيخ محمد حسن بن محمد جعفر الكرباسي الأشتري النخعي (ن 1150- 1190هـ = 1737- 1776م)، وحياة ومؤلفات جده الثالث الإمام الشيخ محمد إبراهيم بن محمد حسن الكرباسي الأشتري النخعي (1180- 1261هــ = 1766- 1845م)، وفي الجزء الثالث الصادر في بيروت حديثا (2025م) عن بيت العلم للنابهين في 289 صفحة من القطع الوزيري وراجعه وعلّق عليه (الكاتب) الدكتور نضير الخزرجي وثّق مؤلفات جده الثاني الفقيه الشيخ محمد جعفر بن محمد إبراهيم الكرباسي الأشتري النخعي (1219- 1292هــ = 1804- 1875م)، وجده الأول المباشر الفقيه الشيخ أبو تراب علي بن محمد جعفر الكرباسي الأشتري النخعي (1279- 1337هـ = 1862- 1919م)، ثم مؤلفات والده الفقيه الشيخ محمد بن أبو تراب علي الكرباسي الأشتري النخعي (1324- 1399هــ = 1906- 1979م).

اعتمد المؤلف في تقديم أجداده وتوثيق مؤلفاتهم منهاجاً متشعب المحاور، قام أساسه على بيان سيرة المترجم له وأهم المحطات في حياته الشخصية والعلمية وما أبدع يراعه من علوم ومؤلفات.

 ومن محور الترجمة الشخصية يدخل على محور كل كتاب والتعريف بهويته مبيناً عنوانه، وحجمه، وعدد أجزائه، ولغته، وعدد الصفحات، وتاريخ التأليف، ومكان التأليف، وتاريخ الطبع إن كان مطبوعاً، والدار الناشرة، والمقدم للكتاب أو المعلق عليه، ولونه ما إذا كان نثراً او نظماً، وموضوعه، ومختصر عن مضمونه.

ومن محور الهوية إلى محور تقريظ الكتاب ومؤلفه، حيث آل المؤلف الكرباسي على نفسه أن يلحق بكل كتاب بقصيدة تقريظية لشعراء بلغات عربية وفارسية وتركية توثق نظماً الكتاب وناثره، إلى جانب بيان سيرة الناظم وترجمته والتعريف به، وقد ضم الجزء الثالث (27) قصيدة ومقطوعة واحدة للشعراء: السيد غياث بن جواد آل طعمة (العراق)، الأديب ناظم بن حميد الفضلي (العراق)، الأديب رحيم بن بردان العطية (العراق)، الشيخ سلطان علي بن حسين نوحه خوان الصابري (إيران)، الأديب مهدي بن هلال الطفيلي الكربلائي (العراق)، شاعر فارسي (إيران)، الأديب فاضل بن عباس البياتي (العراق)، الأديب رحيم بن شاهر الربيعي (العراق)، الدكتور ناصر بن حسين العمراني النجفي (العراق)، الفقيد الدكتور الشيخ محمد جواد بن علي مالك الوزني (العراق)، الأديب رضا بن كاظم الخفاجي (العراق)، الدكتور عبد العزيز بن مختار شَبِّين (الجزائر)، المؤلف الشيخ محمد صادق بن محمد الكرباسي (العراق)، الدكتور السيد سلمان بن هادي آل طعمة (العراق)، والشاعر الحاج محمد علي بن حسين الحلاق الحائري (العراق).

كما اشتمل هذا المحور على تقريظين نثريين، أحدهما لمرجع التقليد السيد شهاب الدين محمد حسين بن محمود المرعشي النجفي الحسيني (1315- 1411هــ = 1897- 1990م)، والآخر لمرجع التقليد السيد مهدي بن حبيب الله الشيرازي الحائري الحسيني (1304- 1380هــ = 1886- 1961م).

وكما هو دأبه في الجزأين الماضين، عمد المؤلف إلى تقريظ مؤلفات الأجداد والأب بتخميسات من نظمه، فكانت (22) تخميسة، بادئاً بتخميسة الجزء الثالث بقوله:

ذا ثالث الأجزاء في أجدادنا

آثارُهم جاءت كشمسٍ باهرةْ

فقهٌ أصولٌ تي نجومٌ زاهرةْ

هذه نسوغٌ قد أتَتْنا طاهرةْ

ربِّي فزدْ فضلاً على آبائنا

وألحق في نهاية عرض الكتاب صورة من الصفحة الأولى والأخيرة للكتاب الخطي أو المطبوع.

 

آراء ونظرات

يمثل الجزء الثالث استمراراً  للباب الأول من "فهرسة المحررات في شرح المؤلفات" واشتمل على الفصل الرابع والخامس والسادس غطى 21 كتاباً، فيما اشتمل الجزء الأول على فصل واحد وضم 20 كتاباً، وثلاثة فصول للجزء الثاني وضم 29 كتاباً، والمجموع 70 كتاباً أعطى المؤلف جزءاً من وقته الثمين في توثيق علوم الأجداد والأب ليكون في المتناول، وكما قال الأديب اللبناني الأستاذ عبد الحسن دهيني في كلمة الناشر: (العلم نور والجهل ظلام، وما يعتري بعض المجتمعات من تخلف واندحار وانكسار إنما هو بسبب نأيهم عن العلم وطلبه، وتنائيهم عن العلماء وعلومهم، وتعلقهم بفتات ما تلقيه إليهم دول الغرب من ثقافات منحرفة قادت كثيراً من أبنائنا وبناتنا إلى دهاليز الظلام وسلوك سبيل الضياع والانحراف) ويضيف في بيان هدف تأليف فهرسة المحررات: (من أولئك العلماء اجداد مؤلف هذا الكتاب العالم العلم سماحة آية الله الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي دام ظله الذين يتصلون بالنسب إلى حواري أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مالك الأشتر رضوان الله عليه، فقام سماحته تقديراً لجهودهم العلمية وبراً لهم بالبحث عن نتاجهم الفكري في مظان الكتب ومطاوي المخطوطات ورفوف المكتبات، ليضعها في هذا المؤلف، راجياً أن يوفيهم حقهم أولاً، وأن يعلم القاصي والداني ما تكتنزه صفحات الماضي من نخب فكرية وعلمية لابد من معرفتها والاطلاع على نتاجها لتكون قدوة لنا جميعاً ومناراً نهتدي به على مدى الأزمان والعصور).

وما خلص إليه الدهيني قاله العلامة الشيخ أحمد بن صدر الدين الكلباسي (الكرباسي) الأشتري وهو من أعلام الحوزة العلمية في مدينة إصفهان ويلتقي مع المؤلف بجدهم الأعلى الإمام محمد إبراهيم الكرباسي، عندما كتب في تقديمه للكتاب تحت عنوان: "بيتٌ علميٌّ زاخر": (وبعد، فإن الفقيه المحدث والحكيم المتكلم علامة العصر، الحاج الشيخ محمد صادق الكرباسي (الكلباسي) حفظه الله ورعاه صاحب دائرة المعارف الحسينية التي تجاوزت الألف مجلد، وسلالة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى العلامة الحاج الشيخ محمد إبراهيم الكلباسي الأشتري المشهور بالإمام الكرباسي، وحفيد الصحابي الجليل مالك الأشتر النخعي، قد قام بتأليف كتاب قيم يوصف فيه آثار وتأليفات والده الجليل الفقيه الأصولي وزعيم الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة الحاج الشيخ محمد الكرباسي، وجده العالم الكامل الحاج الشيخ أبو تراب الكرباسي، وجده الثاني آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد جعفر الكرباسي، وجده الثالث مرجع الطائفة الشيعية العلامة الحاج محمد إبراهيم الكلباسي – قدَّس الله أسرارهم جميعاً-).

في الواقع قرأت عدداً غير قليل من كتب الأعلام القدامى، ووجدتهم حين يقدمون لكتاب أو يقرظون مؤلفاً أو ينعون فقيداً وما أشبه ذلك، تتقطر من كلماتهم صبابة الشهد الأدبي الرفيع، فعلى سبيل عندما يقوم الشيخ محمد جعفر الكرباسي بترجمة سيرة والده الشيخ محمد إبراهيم الكرباسي المتوفى سنة 1845م، يكتب: (قد جمع فنون العلم بحيث انعقد عليه الإجماع، وتفرد بصنوف الفضل بحيث أبهر النواظر والأسماع، فما كان من فنِّ إلا وله القدح المعلى، والمورد العذب المحلى، إن قال لم يدع قولاً لقائل، أو أطال لم يأت غيره بطائل، وما مثله ومن تقدمه من الأفاضل والأعيان إلا كالملة المحمدية المتأخرة عن الملل والأديان جاءت آخراً فضاقت مفاخراً).

وحيث ينتهي المؤلف من بيان مؤلفات أجداده وأبيه في الباب الأول من الأجزاء الثلاثة فإنه سيبدأ في الباب الثاني بفهرسة المحررات من مؤلفاته المتنوعة وتقع في أجزاء كثيرة، لكنه قبل أن ينهي هذا الجزء الثالث استعرض في خاتمته عدداً من التقريظات التي قدمها أعلام الأمة على مؤلفاته ممهداً للقارئ للدخول في الباب الثاني، حيث أورد تحت عنوان "من تقاريظ الأعلام" أربعة تقريظات، الأولى لمرجع التقليد السيد محمد حسين بن عبد الرؤوف فضل الله (1354- 1431هــ = 1935- 2010م) وبعنوان: "دائرة المعارف الحسينية مشروع جليل"، والثاني للعلامة الشيخ محمد هادي بن علي المعرفة (1349- 1427هــ = 1930- 2006م) بعنوان: "الموسوعة الحسينية دراسة شاملة لأبعاد الحركة الحسينية"، والثالثة لمرجع التقليد الشيخ لطف الله بن محمد جواد الصافي الگلبایگاني (1337- 1443هــ = 1919- 2022م) بعنوان: "جهود مباركة .. مؤيَّدة ومسدَّدة"p، وقد حرر (الكاتب) الدكتور نضير الخزرجي التقريظ في تقرير خبري ونشر في وسائل الإعلام المختلفة بتاريخ 10/1/2017م تحت عنوان: (المرجع الصافي يشيد بالموسوعة الحسينية ويثني على مؤلفها)، والتقريظ الرابع للقاضي الفقيه الشيخ مرتضى بن محمود المقتدائي المولود سنة 1354هــ (1935م) بعنوان: (الكرباسي .. مفخرة الإمامية).

في الواقع عندما انتهيت من قراءة الكتاب انتابني شعور بالقلق من أن يمضي بنا العمر إلى مثوانا دون أن نضع ما حررنا من مقالات ودراسات في كتاب مطبوع، فليس المرء بضامن أن يعمد خلفه أو ذريته إلى طباعة ما ألف وخط، وهي دعوة لكل صاحب قلم أن ينتهي من طباعة مؤلفاته في حياته، فليس كل خلف هو محمد صادق الكرباسي!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=209171
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 10 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 10 / 15