• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : شرم الشيخ... حين جلس العراق على طاولة لا يؤمن بقواعدها. .
                          • الكاتب : مهند ال كزار .

شرم الشيخ... حين جلس العراق على طاولة لا يؤمن بقواعدها.

جاءت مشاركة العراق في قمة شرم الشيخ، التي خُصصت لإطلاق خطة غزة للسلام لتثير تساؤلات عميقة حول التحول في الموقف الدبلوماسي العراقي من القضية الفلسطينية، فبينما حافظت بغداد لسنوات على موقف ثابت يرفض "حل الدولتين" بوصفه تنازلاً عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، نجدها اليوم تجلس إلى طاولة المفاوضات التي تُعدّ جوهرًا لتكريس هذا الحل برعاية أمريكية، ومشاركة دولية واسعة، هذه المفارقة تفتح الباب أمام نقاش سياسي حول التوازن الدقيق بين الثوابت العقائدية والواقعية الدبلوماسية في السياسة الخارجية العراقية.

أولاً: الخلفية التاريخية للموقف العراقي

منذ منتصف القرن العشرين، شكّل العراق أحد أبرز الأصوات الرافضة للتسويات الجزئية مع إسرائيل، تبنّى مبدأ "تحرير كامل الأرض الفلسطينية" واعتبر أن أيّ حل يقوم على تقسيم الأرض هو اعتراف ضمني بشرعية الكيان الصهيوني، هذا الموقف ارتبط بعقيدة قومية وإسلامية متجذرة، وأيضاً بتوازنات داخلية تحرص على عدم إثارة الشارع العراقي ذي الحسّ القومي العالي تجاه فلسطين.
لكن منذ 2003، ومع تغيّر النظام السياسي، دخلت السياسة الخارجية العراقية مرحلة جديدة اتسمت بالتذبذب بين الخطاب المبدئي والاعتبارات الإقليمية والضغوط الدولية، خصوصاً في ظل تأثيرات واشنطن وطهران المعارضة.

ثانياً: رمزية الحضور العراقي في قمة شرم الشيخ

لم تكن مشاركة العراق مجرد حضور بروتوكولي، بل خطوة محسوبة ذات أبعاد سياسية، إذ أرادت بغداد أن تؤكد وجودها في المعادلة الإقليمية كطرف فاعل، لا كدولة متلقية للقرارات، حضورها مثّل محاولة لإظهار توازن بين محورين متناقضين:
المحور الأمريكي العربي الداعم لحل الدولتين ووقف إطلاق النار في غزة، ومحور المقاومة بقيادة إيران الذي يرفض أي تسوية قبل إزالة الاحتلال.
بذلك، بدا العراق كمن يسعى إلى التموضع الوسطى، الحفاظ على علاقاته الإقليمية المتنوعة دون القطيعة مع أي محور.

ثالثاً: حسابات بغداد بين الداخل والخارج

تدرك القيادة العراقية أن التحديات الداخلية الأمنية، والاقتصادية، والسياسية، تفرض عليها الابتعاد عن أي صدام خارجي، لذلك، فإن المشاركة في القمة كانت خيارًا براغماتيًا يهدف إلى تجنّب عزلة دبلوماسية، خصوصاً مع تزايد الحديث عن اصطفاف عربي جديد بعد اتفاق غزة.
في المقابل، تحاول بغداد أن تطمئن حلفاءها في محور المقاومة بأنها لم تتخلَّ عن ثوابتها، وإنما تسعى إلى الحوار والموازنة، لا الانحياز، وهذا ما ظهر بوضوح في التصريحات الرسمية التي أكدت على "حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم" دون الإشارة المباشرة إلى حل الدولتين.

رابعاً: التحدي القادم الموقف من التطبيق

يبقى السؤال الأهم: كيف سيتعامل العراق مع مرحلة تطبيق اتفاق غزة في حال تمضي الأطراف الأخرى قدماً؟ فإذا انخرطت دول عربية كبرى في التطبيع السياسي والاقتصادي، فهل يملك العراق قرار الانسحاب أو الاعتراض؟ أم أنه سيختار البقاء في دائرة التوازن الرمادي؟
الراجح أن بغداد ستسعى إلى الحفاظ على خطابها المبدئي دون ترجمة عملية للرفض، أي أنها ستتحدث بلغة التضامن مع فلسطين، لكنها لن تصطدم مع الإجماع العربي أو الأمريكي.

مشاركة العراق في قمة شرم الشيخ ليست تنازلاً عن المبدأ بقدر ما هي رسالة سياسية مزدوجة للداخل بأنها دولة متوازنة ومسؤولة، وللخارج بأنها قادرة على المشاركة في صناعة القرار لا الوقوف على هامشه.
ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في قدرة الدبلوماسية العراقية على الموازنة بين خطاب المقاومة وضغوط التحالفات الإقليمية، في لحظة تاريخية يُعاد فيها تشكيل خريطة الشرق الأوسط.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=209165
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 10 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 10 / 16