في مشهدٍ مؤسف يعكس جهلاً وتعسفاً واضحين، شهدت مدرجات جدة خلال مباريات الأمس حادثة استدعت الأسف والغضب في الوقت نفسه. فقد أُجبر عدد من المشجعين العراقيين، الذين يرتدون الشماغ والعقال، على نزعها بحجة أنها تشبه شعاراً آخر، فلسطيني هذه المرة، مما يشكل إساءة صريحة لهويتهم ورمزهم الوطني.

ولم تسلم هذه الإجراءات التعسفية حتى من الشيخ العام الحاج كريم غافل السنجري، الذي كاد أن يكون ضحية موقفٍ مهين، لولا تدخل بعض الجماهير العراقية الحاضرة لتدارك الموقف ومنع تفاقمه. هذا التدخل البطولي كشف عن شجاعة العراقيين ووعيهم بكرامتهم الوطنية، لكن للأسف، لم يمنع ما حصل من أن يترك أثرًا سلبيًا على صورة العراقيين في الملاعب، ويثير التساؤل عن أسباب هذا التصرف التعسفي.

إن ما جرى يثير أكثر من سؤال: ما الدافع وراء منع ارتداء الشماغ والعقال، وهي رموز عراقية عريقة؟ وهل يعقل أن تُعامل الهوية الوطنية لمجتمع كامل بهذا الإذلال؟ الجهة المسؤولة عن هذه الإجراءات تتحمل كامل المسؤولية عن إذلال مشجعين أبرياء، وإرسال رسالة خاطئة إلى العالم بأن العراقيين لا يحق لهم التعبير عن هويتهم في مدرجاتهم، وهو موقف يفتقر إلى الحد الأدنى من الاحترام والوعي الثقافي.

ورغم هذا التعسف، أظهر الجمهور العراقي عزة وشيمة لا يمكن كسرها. لم يردّ بالعنف أو الفوضى، بل تصرف بهدوء ووعي، محافظًا على كرامته وعلى قيمة رموزه الوطنية. فالشماغ والعقال ليسا مجرد قطعة لباس، بل هما رمز لهوية عراقية متجذرة وتاريخ عريق، وكل محاولة للتقليل من شأنهما هي محاولة للإساءة إلى الشعب نفسه.

هذه الواقعة تمثل دعوة واضحة للجهات المسؤولة عن الملاعب والفعاليات الرياضية لإعادة النظر في سياساتهم، وضمان احترام هوية كل العراقيين في الداخل والخارج. فالكرامة الوطنية ليست مجرد شعار، بل هي ممارسة فعلية تُحترم وتُقدّر، وكل من يحاول انتهاكها يجب أن يتحمل المسؤولية.

في النهاية، يبقى العراقيون أصحاب عزّة وكرامة، مهما حاول البعض منعهم من ارتداء رموزهم، لأن الهوية الوطنية ليست شيئًا يمكن فرضه أو منعه، بل هي شعورٌ راسخ في القلوب لا يزول.