• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : (إيليا) شَمْسٌ لا تَغِيب .
                          • الكاتب : زينب آل غزوي .

(إيليا) شَمْسٌ لا تَغِيب

بعد ثلاثين عامًا مِنَ الشروق الأعظم، كان شطرُ النُّور المحمَّدي ينتظر أن ينضمَّ إلى شَطره، لِيُضاءَ العالم بالنور الذي سيشرق منه الوعد الإلهي على هذه الأرض. 
في الثالث عشر من شهر رجب نزل قرآنًا من عالم الملكوت... ليبزغ من قلب بيت الله، يستضيفهُ ربه في بيته ثلاثًا، لِيخرج بعدها إلى هذه الدنيا جليًا، تتلوه البشرية جيلًا بعد جيل. 

(قَدْ أَفْلَحَ المؤْمنونَ) أول كلمة جرت على لسانه! تعلنُ مَنْهَجًا، وتوضحُ طريقًا، وتعطي عنوانًا عريضًا لهذه المعجزة الإنسانية (إيليا) أو (علي)! 
أبتْ لهُ السماءُ إلا أن يكون مُتفرِّدًا، حتى في اسمه... لم يجعل له قبلُ سميَّا، جاء اسمهُ من السماء، أيقونة الوهج الخالد الذي لا ينطفئ. 

واسْمُهُ مِنْ شَامِخٍ عَلِي
عَلِيٌّ اُشْتُقَّ مِنَ العَلِيِّ (١) 
وليس لتربية هذا الطُّهرِ المطلق إلا الطُّهر المطلق، كما قال هو نفسهُ في (القاصعة):
(وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْ‏ءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَلَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ). (٢) 
نشأ مع رسول الله كنفسه فهما نور واحد، «إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلاّ أنّك لست بنبي، ولكنّك وزير، وإنّك لعلى خير» (٣) 
كيف لمن كان هذا خلقه وهذه نشأته وهذا مُربيهِ أن لا يكون (عليًا)؟
نعم فقد اعتلى القمة دائمًا.. منذ يوم الدار، بل قبله، فهو (القضم*)، ثم الأخ والوزير، ثم الفادي بنفسه في سبيل دينه ومعتقده، ومؤدي أمانة الرسول ودينه، والمهاجر الهجرتين، ثم الأخ لرسول الله "صلى الله عليه وآله" وزوج سيدة النساء الزهراء "عليها السلام"، ووالد ريحانتي الرسول، شهدت له الحروب أنه فتاها الأوحد، وشهدت له الليالي أنه النور الذي تتوهج به المحاريب. 
عجيبٌ هو (إيليا) كيف جُمعت فيه الأضداد، فهو الذي لو اجتمعت عليه العرب ما ولى عن حربها، وهو نفسهُ الذي يتأوه لدمعة يتيم، عظيمُ الهيبة عذبُ البسمة، رحمة للمؤمنين، ونكال على الكافرين، يُميت الظلمَ بيدٍ من حديد، ويُحيي بالأخرى البلاد والعباد بماء الرحمة ونور العلم. 
بابٌ باطنهُ الرحمة وظاهرهُ مِن قِبلهِ العذاب.. شخص هكذا صفاته لم يكن زمانه ليستوعبه، ولم يكن الظلم ليحتمله، فبقدرِ ما صبَّ الرحمة ونشر العدل وعرفت الدنيا معنى الحياة بفضله، بقدر ما توجه إليه الظلم، فهو أعظم مظلوم منذ ذلك اليوم وإلى اليوم، بل ربما نستطيع أن نقول بأن مظلومية كل مظلوم اليوم إنما هي نتيجة لمظلومية علي "عليه السلام"... 
لقد أدى الظلم والجهل إلى أن يقتل هذ القران الناطق في شهر الله، وببيت الله ساجدًا، على يد شر خلق الله وأشقاهم، ليخِرَّ هاتفًا (فزتُ وربِّ الكعبة)، ولتخسر البشرية أعظم نورٍ مرَّ في تاريخها، نورٌ اجتهدت الدنيا بأجمعها لإطفائه أو إخفائه فلم يزدد مع ذلك إلا علُوًا وارتفاعا
وبين (قد أفلح المؤمنون) و (فزتُ وربِّ الكعبة) رسم مسيرة الإنسان الأمثل والأكمل، وبقي أجمل أنشودة على شفتي الزمان، وأقدس قرآن يُتلى آناء الليل وأطراف النهار. 

*-القضم: سُميَ عليٌّ (ع) بذلك لأنه كان وهو صغير يقضم آذان وأنوف الصبية الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يكفُّوا.

المصادر:
١/مناقب آل ابي طالب لابن 
شهرآشوب
٢/حياة امير المؤمنين(ع) عن لسانه. محمد محمديان. ج١
٣/نهج البلاغة. لمحمد عبده.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=209117
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 10 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 10 / 15