• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مفهوم الشهيد بين المعنى والمصداق في القرآن الكريم .
                          • الكاتب : محاسن غني النداف .

مفهوم الشهيد بين المعنى والمصداق في القرآن الكريم

 عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "للشهيد سبع خصال من الله: أول قطرة من دمه مغفور له كل ذنب...".١

اعتدنا ان نسمي المقتول في سبيل الله شهيدا،  ولعل ابرز الاسباب الداعية لهذه التسمية؛ هو  ان رسول الله (صلى الله عليه واله)  اول من استخدم هذا اللفظ لوصف كل من يقتل في سبيل الله، ومنهم شهداء بدر و عمه حمزة سيد الشهداء،
غير انني وبعد التمعن في آيات الذكر الحكيم لاحظت امرا مغايرا لما هو متعارف عليه او شائع في الاوساط التفسيرية، وهو ان لفظة الشهيد بمعنى المقتول في سبيل الله قد وردت، بمعناها العرفي، في القرآن الكريم!
وهي القضية التي سأسعى لاثباتها بأذن الله تعالى.
فالشهيد هو من اسماء الله الحسنى وهو بمعنى الحضور والمعاينة المستمرة، فالشهادة مادة العلم، والعلم هو فرع الحياة.*٢
اذا الشهيد يعني الحي، من دون ترادف، لان الشهادة هي فعلية الحضور،  والحياة هي مقدمة الشهادة ، فلو لم يكن حي لما كان شهيدا.  
ففي قوله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ ) ( البقرة،154)، وكذلك قوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) (١٦٩من ال عمران)،  بيان واضح لمفهوم الشهادة وهي ان يبذل الانسان روحه طاعة وقربة لوجه الله تعالى وقد جاء في الحديث  عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله):( فوق كل ذي برٍ بر حتى يُقتل في سبيل الله فإذا قُتل في سبيل الله فليس فوقه بر.)*٣
لكن لفظة الشهيد الواردة في القرآن الكريم وحسب السياق القرآني لا تنسجم مع هذا المفهوم، غالبا، وإنما تأتي بمعنى شهادة الاقوال والاعمال، مثل قوله تعالى:(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا ) [النساء، ٤١]
﴿ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾[ الإسراء: 96]
وقوله سبحانه: (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا)[ المزمل ،١٥]
وغيرها الكثير من الايات التي اتفق جمهور المفسرين على ان معنى الشهادة ليس القتل في سبيل الله ،  وسياقها واضح الدلالة لا غبار عليه ، ما خلا آيتين لهما في الظاهر سياق مختلف، حسب قول بعض المفسرين!
الاية الاولى هي قوله سبحانه:( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)
هنا السياق مختلف لانه يتحدث عن جراحات الحرب وعن تداول النصر والهزيمة بين المعسكرَيَّن، وعن ثبات المؤمنين و إكرام بعضهم بالشهادة، الامر الذي ميزهم عن المنافقين المتخاذلين، في اوقات الشدة والهزيمة، وهي علة سنة التدوال، يومٌ لك ويومٌ عليك!
وقد ذهب جمهور من المفسرين*٤ الى ان معنى الشهادة هنا هو القتل في سبيل الله
و افترق عنهم العلامة الطباطبائي*ه حيث آثر حفظ الانسجام مع السياق القرآني والابقاء على المعنى المعتاد ؛  اي شهادة الاقوال والاعمال، لان الشهادة بمعنى القتل في سبيل الله غير معهودة الاستعمال في القرآن الكريم على حد قوله ، وانه من الالفاظ المستحدثة في الاسلام ،و ان كلمة' اتخذ' لا تتلائم لغويا مع الشهداء المقتولين في سبيل الله!، لكن العلامة السبزواري كان له رأي آخر ، فقد ذكر في تفسيره مواهب الرحمن، أن لامحذور من ان يكون معنى الشهداء في الاية الكريمة هو الجمع مابين القتل في سبيل الله والشهادة على الاعمال، باعتبارها من مقامات الشهيد، واما كلمة اتخذ فهي من باب( كمال العناية بهم وتكريمهم)، لان مقام الشهادة هو من المقامات الرفيعة التي يختص بها الله سبحانه وتعالى اولياءه كالخلة*٥ ( واتخذ الله ابراهيم خليلا)٦، لذا نجد قوله سبحانه: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا {النساء:69}
وهذه الاية تحديدا تقودنا الى الاية الثانية وهي من سنخ لفظ الاية ٦٩ من سورة النساء، آنفة الذكر، وعكس مدلولها وهي قوله:(وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا ) [النساء:72] 
الاية الكريمة تتحدث عما انطوت عليه نفوس المسلمين، وخلطهم للمفاهيم، وهو عكس مايتمناه المؤمن  من الكينونة مع النبي والتوفيق لنيل الشهادة بين يديه ليكونوا ضمن دائرة  من  انعم الله عليهم بالحق، وليس كما يزعم هؤلاء، 
 وقد اشار المفسرين عموما بان مدلول  الشهادة هنا هو اجمالي الحضور من جهة وخصوصية القتل من جهة اخرى.
فالمنافق يتصور أنه قد فاز بعدم الحضور وبالتا

لي نجا من الموت الذي قد يصيبه من جراء حضوره في المعركة.
وفي المحصلة يمكن القول ان كلمة الشهيد من المشتركات اللفظية التي يحكمها السياق القرآني فلا يمكن بحال ان نجتزأ بالمعنى الاجمالي؛  وهو شهادة الاعمال، ونفرضه حاكما على السياق الحاكي عن القتل في سبيل الله. 
ولو رجعنا الى السيرة النبوية، فسنجد مايؤيد هذا المذهب، فالنبي محمد صلى الله عليه واله لاينطق عن الهوى، وهو القرآن الناطق في زمانه، وكلامه إما تبيانا للقرآن الكريم او تفصيل لمجمله، او إحكاما لمتشابهه،  وحين وصف عمه حمزة بانه سيد الشهداء  وسار على نهجه ائمة اهل البيت عليهم السلام، فهو لم يبتكر لفظا مستحدثا، بل هو توظيف مصداقي للشهيد الذي ذكر وصفه ومفهومه في القرآن الكريم، مع وجود آيتين على الاقل  يتطابق فيهما المفهوم مع المصداق ، كمة اسلفنا.
والله أعلم.

١* وسائل الشيعة للحر العاملي، ج١٥، ص١٦
*٢_  تفسير الميزان، ج٢، ص٣٢٩
*٣_كتاب الكافي للكليني ج٥ ص٥٣
*٤_ مثل تفسير الطبري والامثل ومواهب الرحمن وغيرها، اذ فسروا الشهداء في كلتا الايتين بانهم المقتولين في سبيل الله.
*٥_تفسير الميزان ج٤، ص٢٩
*٦_(واتخذ الله ابراهيم خليلا)سورة النساء ١٢٥




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=209111
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 10 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 10 / 15