في الساعة الثالثة حيث الصيف اللاهب في القيلولة قرر أن يخرج من بيته ليصل الى عمله وفي الطريق لمح بنتا في القرن الواحد والعشرين صغيرة لا يتجاوز عمرها العشرة سنوات تصنع على رأسها قدرا كبيرة فيها مسحوق من الطحين وهي مسمرة في مكانها تحت الشمس تحاول ان تتناول كيسا من النايلون جمع فيه كل مايخص الفقراء من قدر وصحون وادوات منزلية وقد جمعت جمعا تضيق به ويضيق بها حائرة كيف تحمله الى البيت !!لكن الرجل الذي احس بحيرة البنت قال لها :ماذا بك؟ أين بيتكم؟ قالت : هنا واخذ يساعدها وهو يحمل ذلك الحمل المثقل برموز الطعام والشراب!! وكانت البنت تقول: في كل خطوتين او ثلاثة أن كفى لقد وصلت الى البيت لكنه لايجدها قادرة على التوفيق بين ما تحمله على الرأس وما تنوء به اليد فقرر أن يوصلها الى البيت وقد بدت خجلة من ذلك!! ولم يكن عارفا بذلك الخجل والارتباك الذي يزداد كلما اقترب من البيت الذي كان يظنه امام تلك السدرة الكبيرة الا عندما وصل الى غرفة مهجورة بابها يشبه باب الغرفة الداخلية في البيوت المستورة! كانت الغرفة عارية!!تماما من كل مايزين البيوت!! فأدرك مدى حزن الفقراء وخجلهم فأصيب بكآبة عراقية أصيلة!!
كان جالسا على شاطيء الفرات مع صاحبه الذي قال: أنت لاتعرف شيئا عن الفقر والفقراء اتصدق ان في القرن الواحد والعشرين قرن القصيدة الالكترونية والفن والجمال والحداثة والتسويق الالكتروني والثقافة الالكترونية ان هناك في مكان ما تجلس عوائل ما !! تنتظر سيارات النفايات وقد التزمت بنظام فرضه الفقراء في توزيع الحصص من تلك النفايات ليأخذوا نصيبهم مما تركه الاغنياء!! وآخرها مارأيت من طفل جاء فرحا بحصة أهله وقد وجد شيئا من الرغيف مع الشاي الذي كان يغلي بحرق تلك النفايات اليس ذلك يذكرنا بعصور خلت حين كان الانسان قنا من الاقنان!! فما بالنا لا نشعر بالفقير؟!!
لكن نهر الفرات ظل جاريا رغم العقبات الصخرية والانعطافات التي فرضها الانسان لا الطبيعة المنصفة بناموسها!! |