لمْ يكنْ الخلافُ كبيرا، لكنهُ كانَ كافيا لأنَ يكسرُ رابطةَ الدمِ في لحظةِ غضبٍ عابرةٍ نسيَ البعضَ أنَ الشجاعة، لا تقاسُ بالرصاص، بلْ تقاس بالكلمةِ التي تصلح، وتسامح وتجمعَ القلوب. يؤلمنا كثيرا ما نسمعهُ منْ أخبارٍ حزينةٍ، ومؤسفةٍ عنْ أشخاصٍ أقدموا على قتلَ شباب بعمر الورود ، بسببِ خلافاتٍ ماديةٍ تافهة، كانَ يمكنُ تجاوزها ببضعِ دقائق تفكير وتأني، أوْ بتدخلِ أهلِ الحكمةِ والوقار، ممنْ يحملونَ كتابُ اللهِ في صدورهم، لينطفئ غضب كانَ ، ربما سوف يتحولَ إلى نارٍ تحرقُ كلَ شيءٍ في طريقها، وتستمرّ زمنا.
إنَ أبشعَ أنواعِ القتلِ هوَ القتلُ غدرا - وخصوصا- حينُ يأتي منْ القريب. فغدرَ القريبُ طعنةً لا تبرأ، وسلاح لا يستخدمهُ، إلا الجبناء، وقدْ قيلَ في ذلك: " قرأتُ خمسينَ طعنة، وخضتُ سبعينَ مشاجرة، ومررتْ بأزماتٍ لا تحصى"، فصدق القول القائل: ( لكنني لمْ أرَ الغدرُ، كما رأيتهُ في عيونِ الأقاربِ ، فتعلمتْ الحذر) ، وحينُ تنشب المعاركُ بينَ الأقارب، فلا يوجدُ فيها منتصرٌ حقيقي، بلْ تبقى الجراحُ مفتوحة، وتسجلَ الأحداثُ في ذاكرةِ الأبناءِ والأحفادِ، كصفحاتٍ داميةٍ منْ تاريخِ العائلة.
أن بعضَ صفاتِ الرجالِ النبيلةِ المتمثلة في: العقلُ الراجح، الهدوء والاتزان، التأني في اتخاذِ القرارِ ، واستشارةُ الآخرين، كما، في قولهِ الكريم: ( فشاورهمْ في الأمر، فإذا عزمتَ فتوكلْ على اللهِ )، أو قوله سبحانه وتعالى: (وأمرهم شورى بينهم).
أنَ القيمِ العظيمةِ التي أودعها اللهُ في الإنسان، ليكون بها صالحٌ عاقل، رصينا في قراراته، لا متهورا ، ولا مستهترا بقدسيةِ النفس. فليسَ منْ الرجولةِ أنْ يشهرَ السلاحُ ، بوجه شاب برئ لأجلِ خلافٍ تافه، أوْ يراقُ الدمُ، بسببِ كلمةٍ أوْ موقفٍ كانَ يمكنُ تجاوزهُ، بعد زوال الساعة الشيطانية، ما نشهدهُ اليومَ لدى البعض، منْ تعصبٍ وعنفٍ لأتفهِ الأسباب، يدلَ على خللٍ في منظومةِ القيم، وتراجعَ في وعيِ الأفرادِ بأهميةِ الحياةِ وقدسيةِ الدم، ومعَ كلِ الأسف، تتولدَ الأحقاد، وتزدادَ الضغائن، فيقتلُ شابا في ريعانِ شبابه، منْ سلاح شاب متهور، يدعي أنهُ منْ حماةَ القانون، لمجردَ الخلافِ على مالٍ زائل.
تمعنوا قليلاً ، في قولِه سبحانهُ وتعالى: ( لقدْ خلقنا الإنسانَ في أحسنِ تقويم)، أين التقويم الذي حول البعض الى قتلة؟ فمهما بلغَ الإنسانُ منْ الغنى أوْ الجاه، يسجى في النهاية، بكفنٍ أبيضٍ واحد، يلفَ الجسدُ بأيدي غاسلٍ الموتى، وتوارى الجثامينَ التراب، ويختم بالقول اللهِ سبحانه تعالى: ( إنا للهِ وإنا إليهِ راجعونَ). تاركًا خلفه ما أفنى عمره في جمعه من مالٍ وجاهٍ.
رحمَ اللهُ شبابا كانوا في عمرِ الزهور، رحلوا بلا ذنبٍ سوى التهور، وضياعَ الحكمة، وتغليبَ الغضبِ على العقل من المتهورين.
نسألُ اللهُ أنْ يجعل الجميع ممنْ يحتكمونَ إلى الحوارِ والعقل، لا إلى السلاحِ وسفكِ الدم، وأنْ يعصمهم منْ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن.
|