بحثت كثيرا داخل ذاتي فوجدت العجب، قوتين رهيبتين تعيشان بداخلي، شخصيتين متناقضتين تماما، شخصية ملحدة لا تؤمن بوجود الله سبحانه وتعالى ولا تؤمن بدين، تقرأ وتبحث لتزداد كفرا، والشخصية الثانية داخل ذاتي تؤمن بالله وبوجوده، تقرأ وتبحث لتقوي إيمانها، صراع مستمر في عقلي الباطني، لا استطيع أن أبوح لأحد بحكايتي، لذلك أرسلتها لك، ولا أعرف لماذا أرسلتها لك! وما الذي أريده منك؟
مدركات الوعي تذهب باتجاهين الأول يسأل كيف لإله كامل ورحمن ورحيم وكريم ورؤوف وهو خلق كل هذه الشرور التي على الأرض، كالمرض والموت والزلزال والبراكين، والميكروب، والسم، والزمهرير؟
اذا كان الله محبة وجمالا وخيرا كيف يخلق كل هذه الكراهية والقبح والشر؟
المشكلة التي أثارها مدركي الأول هي من المشاكل الأساسية في الفلسفة، وقد انقسمت حولها مدارس الفكر واختلفت حولها الآراء، بينما المدرك الثاني المؤمن يكون على استعداد تام يعرّف لنا القضية من وجهة نظر أخرى، إن الله سبحانه كله رحمة وكله خير وأنه لم يأمر بالشر، فلم يأمر الله سبحانه إلا بالعدل والمحبة والإحسان والعفو والخير، وهو لا يرضى إلا بالطيب.
- لماذا ترك الظالم يظلم والقاتل يقتل والسارق يسرق؟
- لأن الله سبحانه أرادنا أحرارا، ولا معنى للحرية دون أن يكون لنا حق التجربة والاختيار الحر بين المعصية والطاعة، كان في قدرة الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا جميعا أخيارا، وذلك بأن يقهرنا على الطاعة قهرا، وأن يسلبنا حرية الاختيار، ولهذا تركنا نخطئ و نصيب، ونتألم ونتعلم، وهذه الحكمة في سماحه بالشر، والنظر المنصف المحايد سوف يكتشف لنا أن الخير في الوجود هو القاعدة والشر هو الاستثناء، الصحة هي القاعدة والمرض هو الاستثناء، المرض يخلف وقاية والألم يربي الصلابة والجلد والتحمل، والزلازل تنفس عن الضغط المكبوت في داخل الكرة الأرضية، وتحمي القشرة الأرضية من الانفجار، وتعيد الجبال إلى أماكنها كأحزمة و ثقالات لتثبيت القشرة الأرضية في مكانها، والبراكين تبعث المعادن والثروات الخبيئة في باطنها، وتكسو الأرض بتربة بركانية خصبة.
- والحروب؟
- أعظم الاختراعات خرجت أثناء الحروب (البنسلين، الذرة الصواريخ، الطائرات النفاثة) كلها خرجت من أتون الحروب، ومن سم الثعبان يخرج الترياق، ومن الميكروب صنعوا اللقاح، لو لا الموت لما كانت الأكوان تكفي البشر، لو لا المرض ما عرفنا الصحة، لو لا القرح ما عرفنا الجمال.
كتب الفيلسوف أبو حامد الغزالي، إن نقص الكون هو عين كماله، مثل اعوجاج القوس هو عين صلاحيته، ولو أنه استقام لما رمى.
المشقات والآلام هي التي تفرز الناس، وتكشف معادنهم، ويأخذ الصراع حدته ويفور دم المدرك المؤمن حرقة لله تعالى، هو يحتج على المدرك الإلحادي
- ماذا تريد؟ هل تريد أن تعيش حياة بلا موت؟ بلا مرض؟ بلا شيخوخة؟ بلا نقص؟ بلا عجز؟ بلا قيود؟ بلا أحزان؟ بلا الألم؟
هل تطلب كمالا مطلقا؟
الكمال المطلق لله وحده سبحانه، والكامل وحده لا يتعدد، ولماذا يتعدد؟ وماذا ينقصه ليجده في واحد آخر غيره، معنى هذا لن يرضيك إلا أن تكون أنت الله ذاتك، وهذا تطاول.
ثم أنت تريد الجنة، ماذا فعلت لتستحقها؟ وماذا قدمت للإنسانية لتجعل من نفسك الله الواحد القهار الذي يقول للشيء كن فيكن، ناسنا البسطاء أكثر حكمة منك، فهم يقولون خير من الله شر من نفوسنا.
ـــــــــــــــــــــ
*كتاب حوار مع صديقي الملحد د. مصطفى محمود.
|