مع كل موسم انتخابي يترقب العراقيون المشهد الديمقراطي باعتباره فرصة للتغيير وتجديد الدماء السياسية. الانتخابات ليست مجرد صناديق اقتراع وأصوات تعد، بل هي صورة حضارية تعكس مدى وعي الشعوب وثقافتها في التعامل مع الاختلاف، لكن للأسف لا تزال بعض السلوكيات السلبية تتكرر في الساحة العراقية وعلى رأسها ظاهرة تمزيق صور المرشحين والعبث بملصقاتهم الانتخابية
هذا التصرف لا يعد مجرد عمل عابر أو حركة شخصية، بل هو مؤشر على أزمة ثقافية عميقة وغياب الوعي بأبسط مبادئ الديمقراطية. فالاعتراض على مرشح ما لا يكون عبر تمزيق صوره أو إثارة الفوضى في الشارع، بل من خلال الوسيلة الأرقى والأكثر تأثيرا، التعبير عن الموقف داخل صندوق الاقتراع. هناك فقط تترجم قناعة الناخب إلى قرار حاسم، بعيدا عن العشوائية والهمجية
حق المرشح في الدعاية
المرشح، أيا كان انتماؤه أو فكره، يتمتع بحق قانوني ودستوري في عرض صوره وبرنامجه الانتخابي. هذه الملصقات ليست مجرد أوراق أو ألوان على الجدران، بل هي جزء من العملية الديمقراطية، وأداة للتواصل مع الناخبين. والاعتداء عليها هو في الحقيقة اعتداء على حقه الطبيعي في المنافسة العادلة
حقوق الناخب… والحدود الأخلاقية
من جهة أخرى، الناخب يمتلك كامل الحرية في القبول أو الرفض. يستطيع أن يناقش، يكتب، يقاطع، أو يعبر عن موقفه عبر صناديق الاقتراع. لكن تمزيق الصور لا يدخل في خانة حرية التعبير، بل هو تخريب وتجاوز على حقوق الآخرين..
الديمقراطية تقوم على الحوار والاحترام المتبادل لا على الفوضى وإلغاء الآخر.
تجربة كردستان… درس في الوعي الانتخابي
خلال إحدى الدورات الانتخابية في إقليم كردستان، كان المشهد مختلفا تماما. عشرات الصور والملصقات للمرشحين انتشرت في الشوارع منسقة بشكل رائع ومن دون أن تمتد إليها الأيادي العابثة، رغم اختلاف التوجهات والانتماءات السياسية والفكرية.
هذا السلوك يعكس ثقافة انتخابية راقية، حيث تحترم حقوق المرشح كاملة ويترك القرار النهائي للناخب داخل صندوق الاقتراع بعيدا عن العصبية والهمجية.
إنها تجربة ناضجة نتمنى أن يتعلم منها باقي مناطق العراق ليترسخ الوعي بأن الاختلاف لا يعني العداء والرفض لا يعني التخريب.
تمزيق الصور… بطولة زائفة
البعض يتصور أن تمزيق صورة مرشح لا يروق له هو نوع من البطولة أو التحدي، لكن الواقع أن هذا السلوك لا يعبر عن قوة ولا عن موقف شجاع، بل على العكس إنه دليل على ضعف ثقافة سياسية وعدم القدرة على مواجهة الآخر بالحجة والبرهان.
البطل الحقيقي هو من يواجه خصومه عبر الكلمة الصادقة والاختيار الحر لا عبر تمزيق صورة ورقية على جدار.
آثار سلبية على المجتمع
تكريس ثقافة العصبية والهمجية بدلا من ثقافة الحوار.
إضاعة الأموال والجهود المبذولة في الحملات الانتخابية.
تشويه صورة المجتمع أمام نفسه وأمام العالم.
إضعاف ثقة المواطن بجدية العملية الانتخابية.
اخيرا
إن الديمقراطية ليست شعارات ترفع في موسم الانتخابات، بل هي سلوك يومي يعكس احترامنا لبعضنا البعض رغم اختلاف الرؤى والاتجاهات. تمزيق صور المرشحين لا يغير مسار الانتخابات ولا يسقط مرشحا من عيون جمهوره لكنه يسقط من يقوم بهذا الفعل من عيون الناس الواعية.
الحضارة لا تقاس بعلو الأصوات في الشوارع ولا بعدد الملصقات الممزقة، بل بقدرتنا على ممارسة حقنا في الاختيار بحرية ومسؤولية. وإذا أراد الناخب أن يعلن اعتراضه، فالمكان الصحيح لذلك هو صندوق الاقتراع، لا الجدران ولا الشوارع.
صوتك هو سلاحك الأقوى، وقلمك هو أداة التغيير الحقيقية، فلنترك صور المرشحين تعبرعنهم ولنجعل قرارنا في يوم التصويت هو الحكم الفصل. بهذا وحده نبني عراقا ديمقراطيا يليق بتضحيات شعبه بعيدا عن الفوضى والبطولات الزائفة
|