جاء في کتاب الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ للشيخ علي موسى الكعبي: روى المسعودي (أنه لما كان يوم الفطر في السنة التي قُتل فيها المتوكل، أمر بني هاشم بالترجّل والمشي بين يديه، وإنّما أراد بذلك أن يترجّل له أبو الحسن عليه السلام، فترجّل بنو هاشم وترجّل فاتكأ على رجلٍ من مواليه، فاقبل عليه الهاشميون، فقالوا له: يا سيدنا، ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه فيكفينا الله فقال لهم أبو الحسن عليه السلام: في هذا العالم من قلامة ظفره أكرم على الله من ناقة ثمود، لما عقرت وضج الفصيل إلى الله، فقال الله: "تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ" (هود 65)، فقتل المتوكل في اليوم الثالث. وروى أنه عليه السلام قال وقد أجهده المشي: أما إنه قد قطع رحمي، قطع الله أجله)، وهذا يوافق ما جاء في التاريخ، فقد قتل المتوكل في الرابع من شوال سنة 247 ه. وجاء الخبر الذي رواه المسعودي مفصلاً في رواية قطب الدين الراوندي، والسيد ابن طاوس الذي رواه في أكثر من طريق، وتضمّن الدعاء الطويل الذي سمّاه الإمام عليه السلام (دعاء المظلوم على الظالم) قال عليه السلام: (لمّا بلغ مني الجهد رجعت إلى كنوزٍ نتوارثها من آبائنا، وهي أعزّ من الحصون والسلاح والجنن، وهو دعاء المظلوم على الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه الله).
وعن مقتل المتوكل يقول الشيخ الكعبي في كتابه: لم يلبث المتوكل بعد هذا الدعاء سوى ثلاثة أيام حتى أهلكه الله تعالى وجعله عبرةً لكلّ من طغى وتجبّر، على يد ابنه المنتصر وخمسة من القادة الترك. فقد كان المتوكل بايع بولاية العهد لابنه المنتصر ثم المعتز ثم المؤيد، ثمّ انه أراد تقديم المعتز لمحبته لاُمه قبيحة، فسأل المنتصر أن ينزل عن العهد فأبى فكان يحضره مجلس العامة ويحطّ من منزلته ويهدده ويشتمه ويتوعده، واتفق أن انحرف الترك عن المتوكل لاُمور، فاتفق الأتراك مع المنتصر على قتل أبيه، فدخل عليه خمسة في جوف الليل وهو سكران ثمل في مجلس لهوه، فقتلوه هو ووزيره الفتح بن خاقان، وذلك لاربع خلون من شوال سنة 247 ه. وذكر المحدثون والمؤرخون أسباباً أخرى دفعت المنتصر إلى قتل أبيه تدلّ على انتصاره لأهل البيت عليهم السلام، ومنها ما رواه الشيخ الطوسي عن ابن خشيش عن أبي الفضل، قال: (إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة عليها السلام فسأل رجلاً من الناس عن ذلك، فقال له: قد وجب عليه القتل، إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر. فقال: ما إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر). وعن ابن الأثير: (أن عبادة المخنّث الذي كان يرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون: قد أقبل الأصلع البطين يحكي بذلك علياً عليه السلام، قد فعل ذلك يوماً والمنتصر حاضر، فأومأ إلى عبادة يتهدده فسكت خوفاً منه. فقال المتوكل: ما حالك؟ فقام وأخبره. فقال المنتصر: يا أمير المؤمنين، إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمك وشيخ أهل بيتك وبه فخرك، فكُل أنت لحمه إذا شئت، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه ـ وتلك كلمة حق أمام سلطان جائر... لكن المتوكل تمادي في طغيانه ـ فقال للمغنين: غنوا جميعاً: غار الفتى لابن عمه رأس الفتى في حِرّ أمّه قال ابن الأثير: فكان هذا من الأسباب التي استحلّ بها المنتصر قتل المتوكل). وجاء في رواية ابن الأثير: (أن المتوكل شرب في الليلة التي قتل فيها أربعة عشر رطلاً، وهومستمر في لهوه وسروره إلى الليل بين الندماء والمغنين والجواري). وانتهت بمقتل المتوكل صفحة سوادء من تاريخ الظلم والجور، وكان قتله خزياً في الدنيا "وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِنَ اللهِ مِن وَاق" (الرعد 34).
وعن المهتدي يقول الشيخ علي موسى الكعبي: هو محمد بن الواثق بن المعتصم، بويع بالخلافة في رجب سنة 255 ه، وقد نقل المؤرخون في ترجمته أنه كان من أحسن خلفاء بني العباس مذهباً، وأجودهم طريقة، وأكثرهم ورعاً وعبادة وزهادة، وأنه اطّرح الغناء والشراب، ومنع أصحاب السلطان من الظلم، وكان يجلس للمظالم، ويتقلّل في مأكوله وملبوسه. وهو بهذا التصرف استطاع الترفع على سيرة أسلافه العباسيين المعروفين بالترف والاسراف والمجون ومعاقرة الخمور وغيرها من مظاهر الانحراف، لكن ثمة فرقاً بين السيرة الصالحة التي تكون واعزاً للحق والعدل والانصاف وتمنع صاحبها عن الظلم والجور، والسيرة التي يفتعلها صاحبها أو يتصنّعها لأجل الخروج عن الاطار الشكلي الحاكم على الخلفاء المتقدمين، وقد صرح بعض المؤرخين بأن المهتدي كان يتشبّه بعمر بن عبد العزيز، والتشبه غير التطبّع. ونقل آخر عنه أنه قال لأحد جلسائه حين سأله عما هو فيه من التقشف في الأكل، فقال: (انّي فكرت في أنه كان في بني اُمية عمر بن عبد العزيز، وكان من التقلّل والتقشف على ما بلغك، فغرت على بني هاشم، فأخذت نفسي بما رأيت). فالتزهّد هنا ناتج عن غيرة لا عن طبيعة وفطرة سليمة، وبنوهاشم هنا خصوص بني العباس لا عمومهم، لأن فيهم من قال فيه تعالي: "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم 4) وفيهم آل البيت المعصومون عليهم السلام، ويبين ذلك الخصوص في تصريحة بقول آخر: (أما تستحي بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز؟)، فكانوا يطلقون لفظ بني هاشم على العباسيين في مقابل بني اُمية. ولو كان المهتدي محمود السيرة لخالف أسلافه في التعامل مع الإمام عليه السلام وأصحابه وشيعته، لكنه انتهج نفس أساليبهم.
|