• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : آيات قرآنية في كتاب بحوث فقهية للسيد محمد رضا السيستاني (البراءة، الشرائع السابقة، الظن) (ح 5) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

آيات قرآنية في كتاب بحوث فقهية للسيد محمد رضا السيستاني (البراءة، الشرائع السابقة، الظن) (ح 5)

جاء في کتاب بحوث فقهية حول الذبح بغير الحديد والزي والتجمل ومسائل أخرى للسيد محمد رضا السيستاني: البراءة الشرعية: ويُقصد بها ترخيص الشارع المقدس في عدم الاعتناء باحتمال التكليف، وقد استدلّ لإثباته بعدد من الآيات الكريمة والروايات الشريفة، ولكن لا يخلو الاستدلال في جميعها من بعض المناقشات، ولعلّ أقوى ما استدلّ به من الآيات قوله تعالى: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" ومن الروايات حديثي الرفع والحجب، وفيما يلي بيان لبعض الكلام فيها: أ ـ قال تعالى: "مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً * وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" (الاسراء 15-16). وتقريب الاستدلال به أن بعث الرسول كناية عن وجود كاشف عن الحكم الإلزامي يكون في معرض الوصول إلى المكلّف، فيكون مفاد الآية المباركة نفي إيقاع العذاب قبل تبليغ الأحكام إلى المكلّفين، فيكون دليلاً على عدم تنجّز الأحكام الإلزامية المحتملة مع إحراز عدم كاشفٍ عنها يكون في معرض الوصول. ولكن ذكر بعض الأعلام قدس سره أن بعث الرسول إنما يُراد به (صدور البيان) وإن لم يصل إلى المكلّفين، فلا يتمّ الاستدلال بالآية الكريمة فيما نحن بصدده من نفي العقاب مع صدور البيان ما لم يصل إلى المكلّف. إلاّ أن هذا الكلام غير تامٍّ، فإن مقتضى مناسبة الحكم والموضوع أن يُراد بالرسول البيان الذي يكون في معرض الوصول، أي لو فحص عنه المكلّف لوصل إليه، وأما البيان الذي لا يصل إليه المكلّف فوجوده وعدمه سواء ولا فائدة في التأكيد على نفي العقاب قبل صدوره. وبتعبيرٍ آخر: إن الآية الكريمة مسوقة لتطمين المكلّفين بعدم معاقبتهم قبل بعث الرسول، وإذا كان المراد بالرسول هو الكاشف عن الحكم الشرعي فلا بدّ من أن يكون المقصود به خصوص ما يكون في معرض الوصول إلى المكلّف وإلاّ لم يُطمئن بعدم العقاب وإن لم يصل إليه بعد الفحص عنه. وبالجملة: المناقشة في التقريب المذكور بما أُفيد غير ناهضة، نعم يمكن المناقشة فيه بأن إرادة الكاشف عن الحكم الشرعي من لفظ الرسول غير واضح، بل يُحتمل أن يكون المراد به المنذر بالعذاب الدنيوي، ليكون مفاد الآية الكريمة أن سنّة الله تعالى قد جرت بمقتضى نهاية لطفه بعباده على عدم الاستعجال بالعقوبة الدنيوية مع مخالفتهم للأحكام المنجّزة عليهم إلاّ مع بعث من ينذرهم بالعذاب، لتكون مخالفتهم عندئذٍ مقرونة بمزيدٍ من الحجّة. وهذا المعنى هو الأنسب بسياق الآية المباركة وما يتلوها من الآيات، قال العلامة الطباطبائي قدس سره: (ويؤيّده أنه تعالى عبّر عن هذا المبعوث بالرسول دون النبي فلم يقل حتى نبعث نبياً، والرسالة منصب خاص إلهي يستعقب الحكم الفصل في الأُمة إما بعذاب الاستئصال وإما بالتمتّع في الحياة إلى أجل مسمّى). وعلى ذلك يكون مفاد هذه الآية الشريفة متّحداً مع مفاد عددٍ آخر من الآيات كقوله تعالى: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا" (القصص 59) وقوله تعالى: "وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى" (طه 134).

وحول استصحاب أحكام الشرائع السابقة يقول السيد السيستاني حفظه الله في كتابه: ختار المحقّق الشيخ حسين الحلّي قدس سره صحّة الفرضيّة المذكورة وقال ما لفظه: (إنا نقطع بأن شريعتنا المقدسة قد نسخت الشرائع السابقة على وجهٍ لو كان لنا حكم موافق للشريعة السابقة لم يكن ذلك من باب الإمضاء وعدم النسخ، بل هو من باب جعل المماثل كما في مثل قوله تعالى: "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ" (المائدة 45) و "وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ" (المائدة 45) ونحو ذلك. ويمكن إقامة الدليل على هذه الدعوى من النسخ الكلي من ناحية الأخبار الواردة مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (ما من عمل يقرّبكم إلى الله" ومثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعمر: (لو كان موسى وعيسى حيين لاتبعاني) بل يمكن تحصيل الاتفاق العملي من جميع طوائف المسلمين، فإنك ترى الفقيه منهم يتتبّع النص في المسألة فإن عثر على نصٍّ أخذ به سواء أكان الحكم في الشريعة السابقة على طبقه أو كان على خلافه وما لم يجد فيه رجع إلى قاعدته فيما لا نصّ فيه، ولو كان أحدهم يحتمل بقاء جملة من أحكام الشرائع السابقة لكان اللازم فيما لا نصّ فيه أن يُراجع الشرائع السابقة فلعلّها تتضمّن حُكماً لتلك المسألة فيلزم الأخذ به واستصحاب عدم نسخه ولم نر أحداً منهم صنع ذلك، فهذا دليل على تسالمهم على النسخ الكلي فراجع. ويُلاحظ على ما أفاده طاب ثراه بأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (ما من عمل يقربكم) ينسجم مع استمرار بعض أحكام الشرائع السابقة، إذ ليس فيه دلالة على أن كلّ ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو نهى عنه فهو مما جُعل في شريعته المقدسة، بل يجوز أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر ببعض ما أمر به موسى عليه السلام مثلاً أو نهى عن بعض ما نهى عنه أيضاً.

وعن بداية البعثة يقول السيد محمد رضا السيستاني: ما ذكره بعض الاعلام المعاصرين من أن المذكور في بعض الروايات المؤيد بالاعتبار أن المسلمين في بداية البعثة لم يكونوا مكلّفين بشيءٍ من الفروع وهو مستلزم لنسخ جميع أحكام الشرائع السابقة الإلزامية ونحوها من الأمور التعبّدية، فلا موضوع للاستصحاب المبحوث عنه. ومن الروايات التي تُشير إلى المعنى المذكور حديثٌ طويل لمحمد بن سالم عن أبي جعفر عليه السلام وفيه: "ثم بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة عشر سنين، فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله إلاّ أدخله الله الجنة بإقراره.. وتصديق ذلك أن الله عزّ وجل أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكة: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ" (الاسراء 23).

وعن حكم سوء الظن بالمؤمن وحسن الظن به يقول السيد السيستاني حفظه الله في كتابه: والظنّ ـ كما نصّ عليه الخليل وابن فارس وغيرهما ـ يأتي بمعنيين مختلفين: اليقين والشك، والمقصود بالشكّ الأعم من الاحتمال الراجح والمساوي والمرجوح. وقد استشهد على استعمال الظن في اليقين بقوله تعالى: "قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللَّهِ" (البقرة 249) وبقول الشاعر: فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجّجٍ * سراتهم في الفارسيّ المسرّد. قال الجوهري: أي استيقنوا، وإنما يخوّف عدوه باليقين لا بالشك. وأما حسن الظن بالمؤمن فالمقصود به ما يقابل سوء الظن به على أحد الوجوه الثلاثة، وقد ذهب جمع من الفقهاء إلى وجوبه، وهو ظاهر كلام السيد الأستاذ قدس سره، وأنكره آخرون ومنهم المحقّق النراقي قدس سره بل يظهر منه عدم جواز ظن الخير بالناس في هذه الأزمنة التي عمّ فيها الشرّ كلّ مكان على حدّ تعبيره طاب ثراه. وينبغي استعراض أهم الآيات والروايات التي أُستند إليها في هذا الباب والتحقّق مما يُستفاد منها، وهي: قوله تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" (الحجرات 12). وقد استدلّ به غير واحدٍ على حرمة سوء الظنّ بالمسلم أو بالمؤمن، ومبنى ذلك ـ كما قال الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره إنّه لو لم يكن ظن السوء إثماً فلا شيء من الظن إثم، فكأنّه هو القدر المتيقّن من الظن الذي يكون إثماً. (أقول): لا إشكال في أن المستفاد من الآية الكريمة المذكورة بملاحظة الآية السابقة عليها الدالّة على حرمة السخريّة واللمز والتنابز بالألقاب وبملاحظة ذيلها الدالّ على حرمة التجسس والاغتياب هو أن المقصود ببعض الظنّ المعدود من الإثم هو بعض الظنّ المتعلّق بالناس، وإن كان بعض غيره من الظن إثماً أيضاً كسوء الظن بالله تعالى. وذكر بعض المفسرين أن المقصود بكثيرٍ من الظنّ ما يعمّ الظن الذي يكون إثماً، فيكون الأمر بالاجتناب عنه أمراً احتياطياً توقّياً من الوقوع في الإثم. واختار العلامة الطباطبائي قدس سره ـ وفاقاً لآخرين ـ أن المراد بكثير من الظن هو بعض الظن الذي هو إثم، وإنما جيء بـ (كثير) نكرة ليدلّ على كثرته في نفسه لا بالقياس إلى سائر أفراد الظن، فهو كثيرٌ في نفسه وبعضٌ من مطلق الظن. والأقرب هو الوجه الأول فإن الأمر بالاجتناب عن كثيرٍ من الظن ثم تعليل ذلك بأن "بعض الظن إثم" ظاهر جداً فيما ذكر، ولو كان المقصود هو الوجه الثاني لأستغني.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=208861
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 10 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 10 / 14