• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : آيات في المنهجيّة الحضاريّة في القرآن الكریم للكاتبة سليماني (ح 3) (الكفاءة والادارة والحسم) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

آيات في المنهجيّة الحضاريّة في القرآن الكریم للكاتبة سليماني (ح 3) (الكفاءة والادارة والحسم)

جاء في بحث المنهجيّة الحضاريّة في القرآن الكریم في مجلة أوراق ثقافية للكاتبة زهرا سليماني: المحبّة والمودّة للنّاس: قد عفا یوسف عليه السلام بالكرامة عن إخوته الذين آذوه أشدّ الإیذاء وهو في ذروة القدرة والعظمة "وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ" (یوسف 24). یمكن عدُّ هذا السلوك نمطًا للسّلوك مع النّاس؛ لأنّ إخوته كانوا تحت حكمه بالاضطرار كرعيّته الآخرین. في هذه الواقعة، یواجه الحاكم مع المجرمین الذین یتّضح له جریمتهم ویجازیهم بعیدًا من هواه وغضبه؛ ذلك أنّ الغایة في هذه المجازاة هي إصلاح المجرمین، لا توعیدهم وتعذیبهم. ومن المسلَّم به أن هذا النّمط كان له تأثیر عجیب في النّاس، وجذبهم إلی هذا القائد الإلهيّ. وكذلك في قصّة امرأة العزیز، لم یطلب یوسف عليه السلام إلا إثبات براءته عمّا اتّهمّ به "قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ العَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53)" (یوسف 51-53). وكذلك قد مضی بني إسرائیل حِقبة من الزّمان بالمشقّة التي كانت لهم قبل موسی عليه السلام، بعدما تشكلوا جماعة متضامنة بقیادة موسی عليه السلام، حتی إذا تخلّصوا من هذا البلاء بعدما هاجروا من مصر وهلك فرعون. ولكنّهم لم يدم صبرهم في تلك الحِقبة القصيرة، وأخذوا یتذرّعون، ولكن تجاهل موسی عليه السلام عن كثير من تمرّداتهم وعرض ما طلبوا منه لله تعالی "وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ" (البقرة 55)، ولم يعتنِ بكثير من تعریضاتهم في شأنه "قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكمْ وَيَسْتَخْلِفَكمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كيْفَ تَعْمَلُونَ" (الأعراف 129). كان موسی عليه السلام یُدیر هذا المجتمع بمعرفة نقاط قوتهم واحتمال نقاط ضعفهم بالصبر علی سبیل المثال، یصف لنا القرآن في الآیة التالية إحدی ذرائعهم التي كانت نموذجًا من عدم رضاهم وعدم التزامهم بالقانون: "قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكمْ وَيَسْتَخْلِفَكمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كيْفَ تَعْمَلُونَ" (الأعراف: 129). لم يكن موسی عليه السلام جزوعًا إزاء جزع قومه فقط، وإنّما یتمنی لهم الفتح، ویعدهم غدًا سعیدًا. إنّ ما یلفت النظر في ذلك هو إنكار قومه وعصیانهم إزاء أحكام الله من جهة وصبر نبیهم الكبیر إزائهم من جهة أخری. ومن المُهِمّ أنّ موسی عليه السلام استطاع عبر إدارة نقطة ضعفهم هذه ، أي مجادلتهم في أحكام الله، التي يعبّر عنها القرآن هكذا: "وَمَا كادُوا يَفْعَلُونَ" (البقرة 71)، أن يظهروا الطاعة الإیجابيّة، ويدفعهم إلی أن یفعلوه، أضف إلی أنّ هذا المنهج في السّلوك مع الشّعب لازم للحكم والإدارة، یعدُّ وظیفة إلهية نابعة عن اللطف، والشفقة لكي یُهدی النّاس إلی كمالهم ولو كانوا غیر موقنین به.

وتستطرد الكاتبة سليماني في بحثها عن المحبّة والمودّة للنّاس قائلة: تشیر الآیة ال‍ 159 من سورة آل‌عمران "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران 159) إلی المحبّة التي لها علاقة وثیقة بقضیّة الاستبداد، وذلك بالإشارة إلی مودّة النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لرعیّته (الأمّة الإسلاميّة) یوضّح لنّا القرآن أنّ الإقبال العامّ علی حكم النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان ینشأ من محبّته للنّاس التي تتمثّل في عفوه عن خطایاهم الاجتماعيّة، والسیاسیّة، واستغفاره لهم، ویعدُّ سلوكه السیاسیّة العطوفة إحدی الأسباب في نشر الإسلام، ونفوذه العمیق في قلوب الآخرین. كما قال عند فتح مكة: أنا الیوم معكم كما قال یوسف مع إخوته: "قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (یوسف 92)، (البلاذري، 1398، ص51). كان رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم یعدُّ كرامة الإنسان ككرامته، ویعدّها في امتداد الالتزام بحرمة السّاحة الربوبيّة، كما قال: (من آذی مؤمنًا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذی‌ الله، ومن آذی ‌الله فهو ملعون في التوراة والإنجیل والزبور والفرقان) (حكیمی، 1374، ج 2، ص188). في هذا المسار، قام رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم بالكفاح ضدّ ثقافة تحقّر المرأة؛ لأنّ المرأة لم یعتنَ بها كإنسان قطّ في جاهليّة العرب، وأشرافيّة إيران قبل الإسلام، وتثليث یونان المحرّف، وما جاء في القرآن، وبعض المصادر التّاريخيّة یشهد علی ذلك. یصرح القرآن علی أن البنات كنّ يدفنّ أحیاء "وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ" (التكویر 8).

وعن الكفاءة والإدارة والحسم تقول الكاتبة زهرا سليماني: إنّ القدرة علی تنفیذ القوّة الشّرعيّة تعدّ من المؤهلات الأخری التي یذكرها القرآن للحكام، وقد سمّيت هذه المؤهلة بالحسم في التّعلیمات القرآنيّة، بالإضافة إلی المحبة، والعدل، والمشورة مع النّاس، علی الحاكم أن يتمتّع بالحسم في اتّخاذ القرار. إن الحسم لا یعني الاستبداد أبدًا، لأنّ الحاكم من دون الحسم لا یستطیع أن یتولّی المُلك بعد اتّخاذ القرار، ويدیر نظامه المدنيّ. إنّ المراد بالحسم هو استعمال أيّ نوع من القدرة المشروعة في تنفیذها. وعلی ذلك یمكن أن تتمثل بأشكال متعدّدة: كالحدود والتّعزیرات، والجهاد، واستعمال السّیف، والقدرة (الحدید في القرآن). یشیر القرآن في الآیة ال‍ 159 من سورة آل ‌عمران "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران 159) إلی الحسم المصاحب بالمشورة ويأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن یقوم بما یصلح للأمة الإسلاميّة بعد الشوری، وإذا اتّخذ قرارًا فلیعزم علی تنفیذه بالتوكل علی الله تعالی. وكذلك في الآية ال‍ 32 من سورة النّمل "قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ" (النمل 32) ذُكر الحسم في الأمور والتي لها معنی اجتماعيّ. وصف ملك مصر یوسف بصفة (المكین) "وَقَالَ المَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ اليَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ" (یوسف 54)، إنّ “المكین” یطلق علی من له منصب ومنزلة (معلوف، 1385، ج2 ، ص1936).




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=208752
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 10 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 10 / 15