• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : آيات في المنهجيّة الحضاريّة في القرآن الكریم للكاتبة سليماني (ح 2) (اجتناب الاستبداد، اللين ومداراة الناس) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

آيات في المنهجيّة الحضاريّة في القرآن الكریم للكاتبة سليماني (ح 2) (اجتناب الاستبداد، اللين ومداراة الناس)

جاء في بحث المنهجيّة الحضاريّة في القرآن الكریم في مجلة أوراق ثقافية للكاتبة زهرا سليماني: اجتناب الاستبداد والدّیكتاتوريّة: في الآية ال‍ ‍159 من سورة آل‌عمران "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران 159)، إنّ المشورة مع النّاس واجتناب الاستبداد والدّیكتاتوريّة في الشّؤون الحكومية یعدُّها الله تعالی من مؤهلات الحكام الإلهيين ما يفقدها لا یفقد الحاكم شرعيته الدّينيّة فقط وإنّما یفقد شرعيته السیاسیّة وشعبیّته، وبالتّالي یصیب حكمه بأزمة الشّرعية المطلقة. ولذلك يذكر الله تعالی رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ مدی شرعيّة حكمه وشعبيّته مبنيّ علی منهجه في الحكم الذي بُني علی أساس المشورة مع النّاس والتّضامن معهم، كما قال الله تعالی: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" (‌آل‌عمران 159). یصف لنا القرآن بداية ثورة موسیعليه السلام قائلاً: "وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ…" (القصص 15)، وذلك نموذج من حركة موسی عليه السلام ضد المستكبرین وقیامه بالدّفاع عن المظلومین (موسوي همداني، 1374، ج 16، ص 22). إنّ داوودعليه السلام مصداق أصليّ للنّضال ضد جالوت، أو ضد فساد عصره، وبما أنّ القانون هو طریق النّضال الأصلي ضدّ الفساد منطقیًا والعدل محور القانون، یمكننا أن نستنبط أن داوودعليه السلام كان يمثل القانون وتحققه في المجتمع؛ لأنّه كافح الفساد. كما قال الله تعالی: "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكمْ بَيْنَ النّاس بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى" (ص 26).

وعن اللین والرّفق والمداراة مع النّاس تقول الكاتبة سليماني في بحثها: إنّ اللین والرفق مع النّاس مؤهلة أخری یجب علی الوالي الإلهي أن یتمتع بها، وكان حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بُني علی عنصر المحبة للنّاس، ویصف القرآن نبیّناصلى الله عليه وآله وسلم أنّه "سراجًا منيرًا" (الأحزاب 46) وتجليًّا للرّحمة الإلهيّة للعالمین. إنّ تجاهل الخطایا وعدم اللجوء إلی الشدّة والغلظة التي یستدعیها تنفیذ القدرة الظاهرية، كان أكثر الأسباب أهمّيّة في جذب قلوب النّاس إلی الحكم النّبويّ. إنّ القدرة الظاهريّة التي قد تدّعي الشّدة، والغلظة إن ضيّقت الأمور علی النّاس، فقد أدّی إلی إبعاد النّاس عن الحكومة، ولو كانت في صعید التنفیذ الشرعي ومجاريه. من الجدیر بالذّكر أنّ ذلك لا یعني إهمال القوانيين القضائيّة التي تتمثل قدرة الحكومة واقتدارها، لأنّ الاقتدار أمر لازم ویظهر بشكل التشدد، ولا یمكن إطلاق الغلظة علیه. نری القول الليّن والبلیغ في مواضع عدّة من حركة موسیعليه السلام الإصلاحية، منها: عندما أُمِر موسی عليه السلام، وأخوه هارون أن یذهبا إلی فرعون، ویقولا له "قَوْلاً لَّيِّناً" (طه 44) أي قول فيه العطوفة والأدب، أو عندما أذن موسی عليه السلام للسّحرة أن يتبدؤوا بسحرهم "قَالَ بَلْ أَلْقُوا" (طه 66)، لقد كان موسی بحاجة إلی مساعد، ووزیر في القول الفصيح والدعوة إلی الديانة الجديدة، إنّ فصاحة هارون واطّلاعه علی مستجدّات مصر وبني إسرائيل كانت مساعدة مُهِمَّة لموسیعليه السلام، ولذلك طلب من الله مساعدة هارون "سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً" (القصص 35)، ويمكن القول إنّ الحركة الثورويّة والإصلاحيّة تحتاج إلی التخطیط والمستقبليّة، ولغة الإعلام الفصيحة لتبیین الأهداف والغلبة علی خطاب المخالفين.

وتستطرد الكاتبة سليماني في بحثها عن اللین والرّفق والمداراة مع النّاس: قائلة: إنّ مواجهة موسی عليه السلام مع النّاس في فتنة السّامريّ جدیرة بالاهتمام؛ لأنّه واجههم بالتّذكار قائلًا: "إِنَّمَا إِلٰهُكمُ اللهُ الَّذِي لاَ إِلٰهَ إِلاَّ هُوَ، وَسِعَ كلَّ شَيْ‌ءٍ عِلْمًا" (طه 98). خاطب موسی النّاس بالقول اللين وأغمض عینیه عن كثیر من خطایاهم، وذكر القرآن لنا نماذج منها: "وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ المَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (البقرة 57) و "وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ" (البقرة 60) و"فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ المَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (76)" (البقرة 73-76). في ملك سليمان عليه السلام، بدأ فتح مملكة سبإ بكشفها من قِبَل طير من جیوش سلیمان عليه السلام، وبتقرير هذا الطیر علم سلیمان عليه السلام كون هذه الحكومة غیر إلهية، وعزم أن یدعوهم إلی الله الواحد، ویدعو في رسالة شعبها إلی عبادة الله، وتضمّنت الرّسالة ذروة الاستعلاء وغایة السّذاجة، والأكثر أهمّيّة منه أنها بدأت ب"بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ" (النحل 29-31). وخاطبهم سلیمان عليه السلام بالكرامة، وطلب منهم هذه العلاقة بالإكرام لا بالوعيد والتّهديد. إن الالتزام بالأخلاق وعبادة الله أدّیا إلی هذه العلاقة السیاسيّة الثقافيّة، وانتهت إلی تسلیم ملكة سبإ وفتح مملكتها. بناءً علی ذلك، إنّ إحدی المؤهلات الضروريّة للولاة الثقافيّة هي اتّصافهم بالترّبيّة الثّقافيّة العاليّة، والاستراتيجيّة الثقافيّة اللتين تتمثلان في السلوك الثقافيّ في النهايّة، والتي نری نموذجًا من هذا السّلوك الثقافيّ الذكيّ في إنجاز سلیمان عليه السلام.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=208708
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 10 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 10 / 15