اهتم الإعلام المخالف اهتماما غير طبيعي بنهضة الحسين (عليه السلام) من أجل تحريف مساره التأويلي ولرفع اللعنة عن الجناة "قتلة الحسين"، فصار موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المواضيع المحاربة من قبل أهل السياسة لأنه يمنح النهضة الحسينية شرعية قرآنية.
ترجم مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأنه دعوة علنية لمناهضة السلطات السياسية الحاكمة في كل عهد، لذلك حاربوا هذا المبدأ من قبل حكام كل زمان بعدما كان عند المعتزلة يمثل أصلا من الأصول الخمسة للدين، ابتعدوا عنه وهو من المواضيع التي لا يمكن تغييبها في كل عصر وزمان.
هذا المحور صار مصدرا للطعن من قبل المستشرقين الذين اتهموا الإسلام بأنه دين القضاء والقدر، لا يعطي الإنسان أي دور مسؤول أو فعّال ونشط لأنه وكّل جميع الأمور إلى الخالق سبحانه.
يدعّون أن الإسلام لا يمنح البشر حرية الاختيار مطلقا، والدين لا علاقه له بأمور الدنيا، وليس على الإنسان أي مسؤوليه ملقاة على عاتقه.
علينا أن نتأمل في هذا المنهج الذي يريد أن يرفع الفارق الأخلاقي بين الحسين (عليه السلام) ويزيد بن معاوية باعتبار أن الطف الحسيني بما فيه من قتل وسلب وإبادة أهل البيت (عليهم السلام) هو مكتوب بإرادة الله سبحانه وتعالى، لو كان الله سبحانه لا يريد أن يقتل الحسين (عليه السلام) لما قتل، بهذا المقت ضد النهضة الحسينية سعوا لإيجاد مبررات تحفظ لهم ماء الوجه حتى لو عن طريق الخدعة، خدعوا أنفسهم والتاريخ و زيفوا الدين من أجل أن ينصروا ملوكهم، تغافلوا عن قول الله تعالى ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾. وقوله تعالى ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ قوله تعالى ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾، الدين الإسلامي يعتبر الإنسان مسؤولا أمام الله سبحانه وأمام المجتمع وعليه التزام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحسين (سلام الله عليه) يعرف أن هذا الدين ليس دين قضاء وقدر، ويدرك أن القوم يعملون على منهج إخراج البشر من دائرة الالتزام والمسؤولية الاجتماعية إلى القضاء والقدر، من أجل سلب حرية الراي والاختيار والمسؤولية من الإنسان، والله سبحانه وتعالى أغلق عليهم الحجة بقوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ القضية تحتاج إلى الإيمان بالرسالة السماوية وبالمنهج الرسالي الذي جعل من الحسين عليه السلام إماما معصوما مهمته تقويم المجتمع، وسكوته أمام أي منزلق تاريخي خطير بحجم أن يستلم العرش يزيد فيعد قصورا في أداء الواجب الملقى عليه وحاشاه من القصور، لذلك نهض ليأخذ زمام المبادرة، فكانت رسالة الحسين إلى العالم في كل زمان ومكان.
عندما يتولى الجبابرة السلطة والحكم على الناس سيقودون المجتمع إلى الضلال ليعود الجور القبلي من جديد، ويعيدون المجتمع إلى ما قبل البعثة المحمدية، وتضيع جهود الرسول (صلى الله عليه واله) والرسالة.
لابد للثائر أن ينهض ويتحرك ويثور لبناء مستقبل الأمة، لذلك نهضة الطف لم تمت كونها ليست حركة سياسية أو انقلاب سياسي، إنها حركة دين تظهر جلية بعد كل تلك القرون الزمنية.
ومن الأمور التي تبعث السرور حين أبحث في قضايا النهضة الحسينية وأدرك بعض القضايا التي ترتبط بالقصص القرآنية، لأمد جسور اليقين، يقول إسماعيل (عليه السلام) في قوله تعالى ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾، امتلكت النهضة الحسينية هذه الروح، فالمولى علي الأكبر يسأل أباه الحسين عليهما السلام (أو لسنا على الحق؟) هذا السؤال فكري يقيني.
ـ بلا والله يا ولدي
فقال قولته المشهورة (إذا لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا) الأب يرى ابنه في الميدان عطشانا يحيطه الأعداء من كل جانب وهو يحمد الله على هذا اليقين، ويأتي المؤرخون ليكتبوا عن أسباب وعوامل النهضة الحسينية، ويدرسون ردود فعل كل عامل من عواملها.
عليهم أن يعرفوا أن ليس هناك قيمة معنوية أفضل من قول المولى علي الأكبر (السنا على الحق؟) هذا العامل الذي ولد عقب امتناع الإمام الحسين (عليه السلام) عن المبايعة ليزيد لتمسكه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تغافل أكثر المؤرخين عن هذا العامل الإنساني المهم، (والسنا على الحق؟)
نعم مولاي أنتم على الحق المبين والحسين (سلام الله عليه) على الحق حين قرر المواجهة لأنه رفض الباطل وفساد الأوضاع وشيوع الشرور، ورؤية الوضع الفاسد والمنكر للجميع.
الأمر الذي وضع الحسين عليه السلام أمام منعطف المواجهة فوجب عليه القيام والنهضة وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
|