• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : بين العراق وتجارب الأمم الأخرى – لماذا انتصرت بعض الشعوب وفشلت أخرى؟ .
                          • الكاتب : رياض سعد .

بين العراق وتجارب الأمم الأخرى – لماذا انتصرت بعض الشعوب وفشلت أخرى؟

إنَّ قراءة التجربة العراقية المعاصرة ولاسيما تجربة الاغلبية العراقية ، بكل ما حملته من فوضى ودماء وتضحيات ضائعة، لا تكتمل إلا إذا قارناها بتجارب شعوب  واقوام ومكونات أخرى... ؛  فالتاريخ لا يُعيد نفسه بحذافيره، لكنه يكشف لنا أنماطًا و"قوانين" متكررة: الأمم والاقوام والجماعات القوية تصنع مصيرها، و الضعيفة تتحول إلى وقودٍ لمعارك الآخرين... .

1- النموذج الكردي: قوة الأمر الواقع

الأكراد في العراق لم يكونوا يومًا أكثر عددًا من العرب ، ولا أكثر ثراءً في الموارد... ؛  لكنهم فهموا مبكرًا أن الضعف يُعالج ببناء مؤسسات ذاتية : برلمان، حكومة ، قوات البيشمركة، علاقات دولية...  الخ ؛  فحين سقط صدام 2003، كان الإقليم جاهزًا كي يفرض نفسه ككيان شبه مستقل... ؛ اذ لم ينخرط الأكراد في صراعات خارج حدودهم، بل حصّنوا مناطقهم، وركّزوا على بناء قوة تفاوضية مع بغداد والمجتمع الدولي... ؛  والنتيجة: رغم كل أزماتهم، ما زالوا يحافظون على كيان سياسي معترف به، بينما غرق باقي العراق في الفوضى... .

2- النموذج الفيتنامي: الصبر الطويل وتوظيف الجغرافيا

فيتنام واجهت قوتين عظيمتين: فرنسا ثم الولايات المتحدة... ؛  لكنها لم تندفع عاطفيًا إلى مواجهات غير محسوبة، بل اعتمدت على استراتيجية "حرب الاستنزاف الطويلة" وتجنيد كل الشعب في مشروع وطني واحد... ؛ اذ  حوّل الفيتناميون المستنقعات والجبال إلى سلاح، واستثمروا عامل الوقت حتى انهكوا الأميركيين... ؛ و الفارق هنا أن المقاومة كانت جزءًا من مشروع وطني شامل، بينما في العراق تحولت المقاومة إلى فصائل متناحرة بلا هدف جامع او هوية وطنية واضحة المعالم ، فأصبحت عبئًا على الدولة بدل أن تكون رافعة لها... .

3- النموذج الإسرائيلي: القوة قبل الشرعية

إسرائيل – على عداوتها للأمة العربية والإسلامية – تقدم مثالًا واضحًا على "منطق القوة"... ؛ فقد أُسست في قلب منطقة معادية تمامًا، لكن قادتها أدركوا أن البقاء لا يتحقق بالشعارات، بل بجيش مدجج، واقتصاد متين، وتحالفات استراتيجية مع القوى الكبرى... ؛ و لم ينتظروا أن يمنحهم العرب شرعية، بل فرضوا أنفسهم كأمر واقع... ؛  بينما العراقيون – والشيعة خاصة – غالبًا ما قدّموا الشرعية للآخرين (فلسطين، سوريا، لبنان ... ) دون أن يمتلكوا هم شرعية القوة في الداخل... ؛  والنتيجة أنهم صاروا وقودًا في معارك الغير، بينما الآخرون بنوا كيانهم بالدم والحديد... . 

4- النموذج الإيراني: الثورة حين تلتقي القوة بالظرف التاريخي

الثورة الإسلامية في إيران (1979) لم تنجح فقط بسبب "الإيمان" أو "الشعارات"، بل لأنها التقت بظرف تاريخي مواتٍ : شعب متماسك خلف قيادة دينية، جهاز دولة منهار، جيش لم يعد يثق بالشاه، وغليان اجتماعي واسع... ؛  وعندما واجهت إيران الحرب مع صدام، اعتمدت سياسة "الدفاع الاستراتيجي" حتى بنت قوتها الصاروخية والنووية والاقتصادية، لتصبح اليوم لاعبًا إقليميًا لا يمكن تجاوزه... ؛ و الفارق أن إيران جعلت من القوة قاعدة للشرعية، بينما ظل العراق يجعل من الشعارات العاطفية والشعبوية والسياسية  بديلًا عن القوة الواقعية والامكانات الذاتية والوطنية ... .

الدرس للعراق

إن المقارنة تكشف أن:

الأكراد نجحوا بالتحصّن في الداخل.

الفيتناميون انتصروا بالصبر الطويل ووحدة المشروع الوطني.

الإسرائيليون فرضوا شرعيتهم عبر القوة والتحالفات الكبرى.

الإيرانيون صمدوا حين جمعوا بين العقيدة والقدرة العسكرية.

أما العراق، فظل ممزقًا بين الانتماءات المذهبية والمحاور الخارجية، بلا مشروع وطني جامع، ولا قوة رادعة، ولا استراتيجية واضحة... ؛  ولذلك ظلّ ملعبًا للآخرين: الأميركي يلعب على أرضه، والإيراني يستثمر دماءه وثرواته ، والعربي يرسل انتحارييه، والإرهابي يحوّله إلى ساحة مفتوحة , والتركي يسيطر على اراضيه وينهب خيراته ... . 

إنّ السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل يتعلّم العراقيون من هذه التجارب؟ هل يدركون أن دماءهم أغلى من أن تُهدر في قضايا لا تعنيهم، وأن بناء القوة الداخلية هو الشرط الأول للاحترام الخارجي؟

أم سيظلون يعيدون مأساة التاريخ: من كربلاء إلى ثورة العشرين إلى صراعات ما بعد 2003؟

فالتاريخ لا يرحم، ومن لم يتعلم من تجارب الآخرين، سيُعاد إنتاج مأساته بأبشع الصور.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=208446
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 09 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 10 / 14