السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) — كما وصفه سماحة المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني (دام ظلّه): «لقد كان الشهيد أنموذجاً قيادياً قلّ نظيره في العقود الأخيرة».
يُعَدّ السيد نصر الله من أعظم الشخصيات في التاريخ المعاصر؛ فقد شكّل رقماً صعباً أمام أعتى قوةٍ متغطرسة نشأت في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي الكيان الصهيوني المزمع على أرض فلسطين. وقد وضعت هذه القيادة الفتية حداً لوحشية إسرائيل التي ابتلعت أرضاً واجتاحت لبنان مستغلةً ضعف الإرادة الموحدة للمواجهة، حتى تراجع الوجود الصهيوني في جنوب لبنان بعد نضال وطني مستمر، وكان لذلك أثر واضح في انتفاضات عام 2000 وما تلاه، ثم في ما عُرف بحرب تموز 2006.
نعود إلى سؤال المقال: لماذا قُتِلَ نصر الله؟ ونرجع قليلاً إلى الوراء: لماذا قُتِلَ قائد حركة الرضوان الشهيد إبراهيم عقيل مع رفاقه؟ ونمضي أبعد في التاريخ: لماذا قُتِلَ قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس؟ ولنعد أكثر إلى عقدٍ سابق: لماذا تعرّض العراق لسلسلة تفجيرات منذ 2004 حتى 2014، إذ تناثرت الأشلاء وسالت دماء مئات الضحايا في الحلة وبغداد وباقي محافظات الوسط والجنوب؟ ولنعُدّ أكثر إلى تاريخ الإسلام: لماذا قُتِلَ الإمام الحسين، وقبله الحسن، ومُسبِقاً عليٌّ عليهم السلام، ثم سُمِّم البعض، واختفى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)؟
الجواب البديهي والمتعارف: قُتِلَ القادة لأنهم مقاومون للاحتلال أو للهيمنة، وأن الأفراد الذين جنّدتهم آلات التفجير الإرهابية كانوا من جمهور المقاومة ومؤيدي فكرة رفض الاحتلال، وأن الأئمة (عليهم السلام) هم مؤسسو هذا الحراك.
نعم، هذا جزء من الجواب، لكنه لا يَغطي كل جوانبه. فالواجب يقتضي منا حماية قادتنا وعدم التفريط بهم تحت ذريعة الفارق المادي في التسليح؛ وذلك يبدأ بتوسيع القاعدة الحاضنة — ولو إعلامياً — وتقليص المساحة المعادية. وهذا ما يشير إليه الدعاء الأمني: «اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا... وكثرة عدونا وقلة عددنا». فالمهمة الموكلة إلينا هي إضعاف العدو — إن لم يكن بالسلاح فبرصاص الكلمات.
إذن السبب الحقيقي لفقدان السيد (رضوان الله عليه) — ودُرّة لبنان الساطعة وباقي القادة — هو قِلّة النّاصرين. فقد قال الله تعالى: {لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}. وقتل السيد ليس حدثاً يدعو إلى الانكسار أو الانكماش ثم تأجيل طلب الحرية؛ بل هو نقطة ضوء نهضوية تدعونا إلى التفكير بجدية في معنى الانتظار العملي، وكيفية حماية القائد بوضع أسس وخطط استراتيجية صحيحة لحماية الممهّدين لدولة العدل الإلهي.
إن نجاحنا في تأمين وجود قادة التمهيد هو من أولى مسؤولياتنا؛ فغياب الشروط الأمنية الملائمة هو أحد أسباب غياب الظهور، وعلينا العمل على ترسيخ قواعد الحماية — أمنياً وإعلامياً ومجتمعياً — لكي تتقلّص مساحة العدو وتزداد مساحة النصر.
|