• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المطالبة الأمريكية بقاعدة باغرام وربطها بتطورات بولندا–بيلاروسيا: قراءة تحليلية .
                          • الكاتب : مهند ال كزار .

المطالبة الأمريكية بقاعدة باغرام وربطها بتطورات بولندا–بيلاروسيا: قراءة تحليلية

 تتصاعد في الأسابيع الأخيرة ملامح مواجهة جديدة بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا وإيران من جهة أخرى، ليس فقط في أوروبا الشرقية، بل أيضًا في قلب آسيا الوسطى. ففي الوقت الذي تحتدم فيه التوترات على حدود بولندا–بيلاروسيا، برزت مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة السيطرة على قاعدة باغرام في أفغانستان، وهي القاعدة التي مثلت لأكثر من عقدين ركيزة رئيسية للوجود الأمريكي في المنطقة.
هذا التزامن ليس صدفة، بل يعكس محاولة أمريكية لإعادة التموضع الاستراتيجي على جبهات متعددة في مواجهة قوى كبرى منافسة.

الخلفية: باغرام ومعضلة الانسحاب

قاعدة باغرام الجوية، الواقعة شمال كابول، كانت أكبر مركز عمليات أمريكي في أفغانستان منذ 2001 حتى الانسحاب الفوضوي في 2021، بعد مغادرة القوات الأمريكية، سيطرت طالبان على القاعدة، وحولتها إلى رمز لانتصارها العسكري والسياسي، عودة الحديث عن استعادة باغرام تعكس اعترافًا أمريكيًا ضمنيًا بأن فقدانها كان خطأ استراتيجيًا مكلفًا.

دوافع واشنطن للمطالبة بباغرام

1. التموضع الجيوسياسي: القاعدة تقع على تماس مباشر مع الصين، قريبة من إيران، وتمنح قدرة على مراقبة آسيا الوسطى وروسيا. أي سيطرة أمريكية عليها ستُترجم إلى ورقة ضغط كبرى في صراع النفوذ العالمي.

2. السيطرة على الإرهاب والتهديدات العابرة للحدود: تصاعد نشاط داعش-خراسان في أفغانستان يثير مخاوف من سيطرة جهات أخرى على هذه التنظيمات، وهو ما تحاول واشنطن استباقه.

3. الرسائل الداخلية والخارجية: إعادة طرح ملف باغرام يخدم ترامب داخليًا، بتقديمه كتصحيح لأخطاء الانسحاب السابق، ويبعث خارجيًا برسالة مفادها أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن مواقعها الاستراتيجية.

4. موازنة النفوذ الصيني–الروسي: في الوقت الذي تعزز فيه الصين استثماراتها الاقتصادية في التعدين والطاقة داخل أفغانستان، وتفتح روسيا قنوات سياسية وأمنية مع طالبان، تحاول واشنطن قطع الطريق أمام أي تموضع منافس في خاصرة آسيا.


رفض طالبان وحدود الممكن

ردت حكومة طالبان بقوة على التصريحات الأمريكية، مؤكدة أن السيادة الأفغانية «غير قابلة للتجزئة»، وأنها لن تسمح بأي وجود عسكري أجنبي.
هذا الموقف يجعل من الصعب تخيل عودة واشنطن إلى باغرام دون صيغة تفاوضية جديدة، قد تكون في شكل تعاون لوجستي أو أمني مشروط، أكثر من كونها سيطرة مباشرة.

التطورات في بولندا–بيلاروسيا: جبهة موازية

في أوروبا الشرقية، تتصاعد التوترات بين بولندا وبيلاروسيا على خلفية تحركات عسكرية روسية مشتركة مع مينسك، وتكثيف حشود على الحدود.
الناتو بدوره يعزز وجوده في بولندا، في إطار ما يُعرف بسياسة الردع الأمامي، هذه التطورات تكشف أن خطوط التماس بين واشنطن وموسكو لا تقتصر على أوكرانيا، بل تمتد إلى حدود الناتو المباشرة.

الربط بين الجبهتين

1. نفس منطق القواعد الأمامية: كما أن بولندا تمثل خط الدفاع الأول للناتو أمام روسيا، فإن باغرام يمكن أن تمثل خط مراقبة متقدم ضد الصين وإيران وروسيا في آسيا.

2. إشارات الردع المتبادلة: إرسال قوات إلى بولندا، أو المطالبة بباغرام، كلاهما جزء من خطاب أمريكي–أطلسي يؤكد أن التراجع ليس خيارًا.

3. توقيت استراتيجي متزامن: تصعيد في أوروبا (بولندا–بيلاروسيا) يقابله إعادة تفعيل أوراق في آسيا (باغرام)، بما يضمن للولايات المتحدة القدرة على الضغط على أكثر من جبهة في الوقت ذاته.

التداعيات المحتملة

1. رفض أفغاني قاطع: أي محاولة أمريكية للعودة دون تفاوض سيقابلها رفض طالبان، ما قد يشعل موجة جديدة من العداء المحلي.

2. حساسية إقليمية: باكستان وإيران لن تقبلا بعودة أمريكية قوية إلى خاصرتهما، هذا قد يفتح الباب لتحالفات أوسع بينهما وبين الصين وروسيا.

3. تصعيد متعدد الجبهات: مع توتر أوروبا الشرقية، وفتح ملف باغرام، قد تجد واشنطن نفسها في مواجهة استنزاف مزدوج: سياسي، دبلوماسي وربما عسكري.

المطالبة الأمريكية بباغرام في هذا التوقيت ليست مجرد إعادة تموضع في أفغانستان، بل هي جزء من استراتيجية أوسع لإعادة رسم خريطة النفوذ العالمي.
التزامن مع تصاعد التوتر في بولندا–بيلاروسيا يوضح أن واشنطن تسعى إلى تثبيت حضورها في نقاط تماس حيوية، بهدف تطويق خصومها الرئيسيين: روسيا والصين وإيران.
غير أن هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدي إلى تصعيد غير محسوب، خاصة إذا لم تُدار بعناية عبر قنوات دبلوماسية متوازنة.

هذا التحليل يوضح الترابط بين الجبهتين الأوروبية والآسيوية، ويؤكد أن العالم يتجه إلى مرحلة جديدة من المنافسة متعددة الأقطاب، حيث تسعى الولايات المتحدة لإثبات أن انسحابها من أي ساحة لا يعني فقدانها القدرة على العودة إليها حين تشاء.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=208285
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 09 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 09 / 24