جاء انعقاد القمة العربية-الإسلامية الطارئة في الدوحة (15 أيلول/سبتمبر 2025) في سياق بالغ الحساسية، إثر الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي القطرية، وهو تطور يخرق قواعد القانون الدولي ويشكل تهديداً مباشراً لدور قطر الوسيط في النزاعات الإقليمية.
وقد تمخضت القمة عن إدانة جماعية للعدوان، إلا أن هذه الخطوة تطرح إشكالية العلاقة بين الخطاب السياسي الرمزي وبين الآليات العملية للعقاب أو الردع، خصوصاً في المجال الاقتصادي؟
تُظهر الأدبيات المتعلقة بالعلاقات الدولية أن الإدانة السياسية تمثل أداة من أدوات "القوة الناعمة" الموجهة نحو بناء الشرعية ونزعها عن الفاعل المعتدي، غير أن فعالية هذه الأداة تبقى محدودة في غياب تكاملها مع أدوات الضغط المادية، ومنها العقوبات الاقتصادية أو المقاطعات التجارية، التي تصنَّف ضمن أدوات "القوة الصلبة غير العسكرية".
تحليل الوضع الراهن
1. الإدانة كرسالة سياسية
البيان الختامي عزز وحدة الموقف العربي-الإسلامي وأعاد تثبيت مبدأ رفض الاعتداءات على سيادة الدول، هذه الخطوة ضرورية لحماية النظام الإقليمي من الاختراقات القانونية والسياسية.
2. العقوبات الاقتصادية كخيار مطروح
إمكانات الضغط: العالم العربي-الإسلامي يمتلك أوراقاً مهمة مثل أسواق الطاقة، وحجم الاستثمارات السيادية، والقدرة على توجيه الرأي العام في المحافل الدولية.
تجارب تاريخية: المقاطعة العربية لإسرائيل في منتصف القرن العشرين شكلت حالة جزئية من الردع، لكنها تراجعت مع توقيع اتفاقيات سلام فردية.
الواقع الحالي: تعدد مستويات العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل يعقّد إمكانية فرض عقوبات جماعية، إلا أن أدوات مثل الضغط على الشركات متعددة الجنسيات أو مقاطعة المنتجات الإسرائيلية تبقى قابلة للتنفيذ.
3. التحديات
- الانقسام السياسي العربي والإسلامي بين محاور مختلفة.
- الضغوط الدولية، لاسيما من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي قد تعتبر العقوبات تهديداً لمصالحها.
- الاعتبارات الاقتصادية الداخلية للدول التي تعتمد على شراكات خارجية حساسة.
إن الإدانة تكتسب قيمتها الأساسية في الحفاظ على شرعية الموقف العربي-الإسلامي، لكنها غير كافية لردع إسرائيل، وان الخطوة التصعيدية المنطقية هي تبني عقوبات أو مقاطعات اقتصادية مدروسة، ولو بشكل تدريجي، بما يقلل الكلفة على الدول المشاركة ويزيد الكلفة على الطرف المعتدي.
من جانب أخر؛ تحتاج الدول إلى إطار مؤسسي مشترك (لجنة متابعة أو آلية اقتصادية جماعية) لضمان تنفيذ القرارات، وتجاوز عثرات التجارب السابقة، ويمكن القول إن التحول من الإدانة إلى العقوبات يمثل انتقالاً من الشرعية الرمزية إلى الشرعية الفاعلة، أي تحويل الخطاب إلى أداة ملموسة لإعادة توازن القوى في المنطقة.
إن الاعتداء على قطر كشف عن هشاشة النظام الإقليمي من جهة، وعن الحاجة إلى تجاوز "ثقافة الإدانة" من جهة أخرى، وإذا ما أرادت الدول العربية-الإسلامية أن تحافظ على مكانتها وقدرتها الردعية، فلا بد أن تعيد النظر في أدواتها، وأن تجعل من الاقتصاد سلاحاً موازياً للخطاب السياسي، فالإدانة قد تحفظ ماء الوجه، لكن العقوبات هي التي تغيّر السلوك.
|