اتخذت المملكة العربية السعودية قرارًا جريئًا يُعيد رسم موازين القوى في المنطقة، بتوقيعها اتفاقية أمنية مشتركة مع باكستان. هذه الخطوة الاستراتيجية جاءت في لحظة فارقة، بعدما أدركت الرياض – ومعها كثير من العواصم العربية – أن الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة لم يعد ضمانة كافية لأمن المنطقة، خاصة بعد المواقف الأميركية المتراخية تجاه الاعتداء الإسرائيلي الأخير على قطر، والذي جرى في ظل دعم وموافقة ضمنية من واشنطن.
السعودية، بثقلها السياسي والديني والاقتصادي، تدرك أن أمنها الوطني والإقليمي لا يمكن أن يبقى رهينة مزاج القوى الكبرى. ومن هنا، فإن التوجه نحو باكستان، الدولة النووية ذات القدرات العسكرية الكبيرة والموقع الجيوسياسي المهم، يمثل رسالة مزدوجة:
أولاً، تأكيد أن أمن الخليج والشرق الأوسط خط أحمر لا يجوز المساس به.
ثانيًا، أن العالم العربي قادر على بناء تحالفات جديدة بعيدًا عن الهيمنة الأميركية، مستندًا إلى قوى إسلامية وآسيوية صاعدة.
هذه الاتفاقية ليست موجهة ضد أي دولة بعينها، بل هي تحالف وقائي يهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وردع أي تهديد محتمل، سواء أتى من أطراف إقليمية مغامِرة أو من حسابات دولية متقلبة.
لقد حان الوقت، كما تشير التجربة السعودية، لأن تسلك بقية الدول العربية النهج ذاته: البحث عن شركاء استراتيجيين خارج الدائرة التقليدية للحلفاء الغربيين، وتوسيع خياراتها الأمنية والاقتصادية. فالعالم يتغير بسرعة، والتحالفات المرنة هي سلاح البقاء في مواجهة الأزمات.
إن اتفاق الرياض وإسلام آباد ليس مجرد توقيع على ورق، بل إعلان عن ميلاد معادلة ردع جديدة، ورسالة واضحة بأن المنطقة لم تعد ملعبًا مفتوحًا لقوى كبرى تفرض شروطها بلا حساب.
|