• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تحالفات جديدة وموازين متغيّرة: العالم يقترب من مرحلة ما بعد الهيمنة الأميركية .
                          • الكاتب : مهند ال كزار .

تحالفات جديدة وموازين متغيّرة: العالم يقترب من مرحلة ما بعد الهيمنة الأميركية

في غضون أيام قليلة فقط، شهد العالم سلسلة أحداث متلاحقة تحمل دلالات استراتيجية عميقة: باكستان تدعو إلى إنشاء تحالف إسلامي على غرار الناتو، وتوقّع مع السعودية معاهدة دفاع مشترك؛ مصر وتركيا تجريان مناورات بحرية هي الأولى منذ أكثر من عقد؛ الولايات المتحدة تستخدم الفيتو في مجلس الأمن لمنع وقف إطلاق النار في غزة؛ فيما يعلن وزير الدفاع الصيني أنّ جيشه بات جاهزاً للعمل كقوة عالمية "من أجل السلام والاستقرار".
هذه التطورات ليست عابرة ولا يمكن قراءتها كلٌّ على حدة، بل تعكس موجة غضب دولية من الاستفراد الأميركي ـ الإسرائيلي بالقرار في الشرق الأوسط، ومحاولة بلورة بدائل وتحالفات جديدة تكسر احتكار القوة والقرار.

أولاً: التحالف السعودي ـ الباكستاني … نواة لـ "ناتو إسلامي"؟

توقيع الرياض وإسلام آباد على معاهدة دفاع مشترك هو خطوة مفصلية، إذ ينص الاتفاق على أن أي عدوان على أحدهما يُعتبر عدواناً على الآخر.
الأخطر هنا هو تصريح مسؤولين باكستانيين بأن قدرات بلادهم النووية يمكن أن تُستخدم لحماية السعودية "إذا اقتضى الأمر"، ما يمنح الرياض مظلة ردع استراتيجية غير مسبوقة.

هذا الاتفاق يتجاوز الثنائية السعودية ـ الباكستانية، إذ فتح وزير الدفاع الباكستاني الباب أمام دول عربية أخرى للانضمام، بمعنى آخر، نحن أمام محاولة جدية لطرح بديل أمني "إسلامي" على غرار الناتو، خصوصاً مع تصاعد شعور الدول الإسلامية بخيبة الأمل من المظلة الأميركية التقليدية.

الرابحون هنا: السعودية التي تكتسب قوة ردع إضافية، وباكستان التي تترسّخ مكانتها كلاعب إقليمي قادر على فرض نفسه في الخليج.
الخاسرون: الهند التي ترى في أي تصعيد للتعاون السعودي ـ الباكستاني تهديداً غير مباشر لها، وإسرائيل التي تنظر بريبة لأي ترتيبات يمكن أن تقلّص هامش حركتها.

ثانياً: مصر وتركيا … من القطيعة إلى التعاون العسكري

إجراء مناورات بحرية مشتركة بين القاهرة وأنقرة لأول مرة منذ 13 عاماً، يحمل رمزية كبيرة، فالبحر المتوسط تحوّل إلى مسرح صراع على الغاز والنفوذ البحري، ومع ذلك اختارت الدولتان تحويل التنافس إلى تعاون تدريجي.
هذا التقارب يعكس إدراك الطرفين أنّ الاستقطاب لم يعد يخدمهما، وأن الملفات الأمنية والاقتصادية تتطلب تنسيقاً، خاصة في ظل تصاعد المخاطر القادمة من الشرق الأوسط والخليج.
بالنسبة للعالم العربي، عودة التنسيق المصري ـ التركي تضيف وزناً لأي محور إقليمي يسعى إلى التحرّر من "المعادلة الأميركية – الإسرائيلية"، وتفتح الباب أمام تعاون أوسع مع دول مثل السعودية وقطر.

ثالثاً: الفيتو الأميركي في مجلس الأمن … تكريس العزلة الأخلاقية

للمرة السادسة منذ اندلاع العدوان على غزة، استخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو) لإسقاط مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار الفوري.
هذه الخطوة لم تُسقط فقط مشروع القرار، بل عمّقت قناعة عالمية بأن الولايات المتحدة لم تعد وسيطاً نزيهاً، بل طرفاً منحازاً بالكامل لإسرائيل حتى على حساب القيم الإنسانية والقانون الدولي.
الفيتو الأميركي يضيف وقوداً لغضب الشعوب العربية والإسلامية، ويعطي زخماً إضافياً للمطالبات بتشكيل تحالفات أمنية ودفاعية بديلة عن المظلة الغربية.

رابعاً: الصين … نحو دور عالمي أوسع

في منتدى شيانغشان الأمني، أعلن وزير الدفاع الصيني أن جيش بلاده مستعد الآن للعمل كقوة عالمية من أجل السلام والاستقرار، قد تبدو العبارة إنشائية، لكنها في السياق الحالي تحمل رسالة واضحة: الصين تريد ملء الفراغ الذي يخلّفه فقدان الثقة بالدور الأميركي.
الصين لا تمتلك بعد شبكة تحالفات عسكرية مثل الولايات المتحدة، لكنها تراهن على دبلوماسية القوة الناعمة، وعلى تقديم نفسها كبديل "عادل" للنظام الدولي القائم، هذا التوجه يضعها في موقع أقرب للدول العربية والإسلامية التي تبحث عن حلفاء جدد.

خامساً: أين يقف العراق في هذه المعادلة؟

بالنسبة للعراق، هذه التحولات تفرض تحديات وفرصاً في الوقت نفسه:
1. التحديات:

ازدياد الاستقطاب بين المحاور (أميركا ـ إسرائيل مقابل الصين ـ التحالفات الإسلامية) قد يحوّل العراق إلى ساحة صراع أو منطقة نفوذ متنازع عليها.
القوى الداخلية قد تحاول توظيف هذه الاصطفافات لتعزيز نفوذها على حساب الاستقرار الوطني.

2. الفرص:

العراق يستطيع أن يقدّم نفسه كـ "جسر توازن" بين المحاور، بحكم علاقاته المتعددة مع إيران والسعودية وتركيا والولايات المتحدة والصين.
في حال نجح العراق في تبنّي سياسة حياد مرن، يمكن أن يستفيد من الاستثمارات السعودية والتركية ومن الدعم الصيني في البنى التحتية، مع الاحتفاظ بقنوات مفتوحة مع واشنطن.

سادساً: الرابحون والخاسرون في المشهد العام

الرابحون: الدول الإسلامية الكبرى (السعودية، باكستان، مصر، تركيا) التي تعيد صياغة موقعها في النظام الدولي.
الصين التي تقترب أكثر من الشرق الأوسط. الشعوب العربية التي تجد أخيراً أن غضبها من الاحتلال الإسرائيلي يجد صدىً في التحركات السياسية.
الخاسرون: الولايات المتحدة التي تخسر جزءاً من صورتها كقوة "حامية للنظام الدولي"، إسرائيل التي تجد نفسها محاطة بتوازنات جديدة، والهند التي تنظر بقلق إلى تحالف باكستان مع الخليج.

المشهد الحالي يشي بأننا على أعتاب مرحلة "ما بعد الهيمنة الأميركية" في المنطقة. صحيح أن واشنطن ما تزال القوة العسكرية الأكبر، لكن قدرتها على فرض إرادتها وحدها تتراجع أمام تحالفات جديدة، بعضها ما زال في طور التشكّل.
العالم العربي ـ والإسلامي عموماً ـ أمام فرصة تاريخية لإعادة صياغة معادلات الأمن والدفاع بعيداً عن الاستفراد، لكن النجاح في ذلك يتطلب تجاوز الانقسامات الداخلية، وتحويل الغضب الشعبي إلى مشاريع استراتيجية ملموسة.
أما العراق، فخيار المستقبل أمامه يكمن في أن يكون "رمانة الميزان" لا "ساحة التصفية"، وأن يوظّف موقعه الجغرافي والسياسي ليكون لاعباً لا ملعباً.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=208144
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 09 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 09 / 20