ارجو ان لا يضيق صدر القارئ الكريم فبرغم طول المقال، لكن فقراته كانت مهمه وجوهريه لتسليط الضوء على هذا الملف المهم.
فالانتخابات ليست مجرد صناديق وأرقام، بل هي معركة عقول وقلوب. فكل مرشح يسعى لكسب ثقة الناس، مستخدماً أساليب قد تكون مشروعة تقوم على الإقناع والبرامج، أو غير مشروعة تقوم على شراء الولاءات واستغلال حاجة الناس.
فمن أكثر الأساليب شيوعاً التكرار. المرشح يردد شعاراته بلا توقف حتى تصبح مألوفة عند الناس. ولنتذكر قول هتلر نفسه: "الجماهير تحتاج وقتاً طويلاً حتى تفهم وتتذكر". فففي العراق 2010، شاهدنا كيف ملأت صور المرشحين وشعاراتهم جدران المدن بلا توقف، حتى صار التكرار وسيلة ترسيخ وليس مجرد إعلان.
أن الصورة والشعار سلاح لا يُستهان به. أوباما رفع شعار "التغيير" وأضاف إليه "نستطيع" فحوّل حملته إلى قصة أمل. وفي العراق 2018، رفع بعض المرشحين شعارات مثل "نريد وطن" و*"الإصلاح أولاً"*، فنجحت هذه الشعارات في تحريك مشاعر جمهور واسع رغم ضبابية البرامج.
أما المناظرات الانتخابية فهي الشكل الأرقى للمنافسة. مناظرة كيندي ونيكسون عام 1960 غيرت مسار السياسة الأمريكية. وفي العراق، ورغم كثرة الدعوات منذ 2014 لإجراء مناظرات علنية بين المرشحين لرئاسة الوزراء، بقيت الفكرة في إطار التمنيات، لأن السياسي العراقي لا يزال يفضل الخطاب من بعيد بدلاً من المواجهة المباشرة.
أيضاً، لعبت وسائل الاتصال الحديثة دوراً بارزاً. في مصر مثلاً، كانت الرسائل النصية القصيرة أداة دعاية فعالة. وفي العراق، لجأ مرشحون عام 2014 إلى إرسال مسجات عبر الهواتف تتضمن أرقام القوائم الانتخابية أو وعود مختصرة. وفي انتخابات 2018، بدأ استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع، حيث أصبحت "الفيسبوكيات" أقوى من اللافتات التقليدية.
لكن الوجه الآخر للدعاية الانتخابية أقل إشراقاً. ففي العراق في انتخابات 2010، انتشرت شكاوى من شراء الأصوات بالمال أو بتوزيع مواد غذائية على العوائل الفقيرة. وفي 2014، تضاعفت هذه الممارسات، حيث تحولت بعض المقرات الانتخابية إلى ما يشبه مكاتب خدمات مقابل التصويت.
أما التزوير فقد أصبح حديث الشارع العراقي في 2018. فقد اتُّهمت أجهزة العد الإلكتروني بتغيير النتائج، ما أدى إلى إعادة عدّ وفرز يدوي في بعض المحافظات. هذا التزوير لم يكن جديداً، فقد شهدته دول عربية وأفريقية من قبل، لكنه في العراق ضرب الثقة بالعملية الديمقراطية بشكل مباشر.
ولا يغيب عن المشهد أسلوب القسم والعهود، حيث يطلب بعض المرشحين من بعض شيوخ العشائر ضمان أصوات جماعية مقابل وعود بالخدمات. هذا الأسلوب يشبه ما حدث في دول عربية أخرى، حيث استُغل النفوذ الديني أو العشائري لحسم المعركة الانتخابية.
أما الدعاية السوداء، فهي حرب خفية تُستخدم فيها الأككاذيب والتسقيط. في انتخابات العراق 2014 و2018، امتلأت مواقع التواصل بحملات تشويه متبادلة، تشبه ما حدث في الانتخابات الأمريكية عندما استخدم ترامب الدعاية الرقمية لزعزعة خصومه.
ان الانتخابات في النهاية مرآة لثقافة الشعوب. حين تُدار بالمناظرات والبرامج والشعارات المقنعة، فهي مدرسة في الديمقراطية. وحين تُدار بالرشوة والتزوير والتسقيط، تتحول إلى سوق نخاسة تباع فيه الأصوات وتشترى.
والرهان الحقيقي يبقى على وعي الناخب: هل يمنح صوته لمن يقنعه بعقلانية وبرنامج واقعي، أم يبيعه مقابل وعد أو هدية عابرة؟
|