العمليات العابرة للحدود.. مؤشرات على نضج القدرات العراقية

العمليات العابرة للحدود.. مؤشرات على نضج القدرات العراقية

كتابات في الميزان / العمليات العابرة للحدود الأخيرة تظهر تطور قدرات العراق في جمع المعلومات الاستخبارية واستغلالها بشكل نوعي. مراقبون یعدّون أن نجاح بغداد في الوصول إلى مضافات داعش في العمق السوري يمثل نقلة في كفاءتها الميدانية والاستخبارية.

منذ عام 2003 شكل الدستور العراقي إطارًا قانونيًا يتيح للحكومة الدفاع عن وحدة البلاد وأمن مواطنيها، بما في ذلك اتخاذ إجراءات استباقية لحماية الحدود من التهديدات.

ومع تراكم خبرات الأجهزة الأمنية، برزت فكرة العمليات العابرة للحدود بوصفها ضرورة أمنية وليست مجرد خيار سياسي.

هذه الرؤية تتقاطع مع التزامات العراق ضمن التحالف الدولي ومع القوانين الدولية التي تجيز مبدأ الدفاع المشروع عن النفس في مواجهة التنظيمات الإرهابية.

في هذا السياق، أكد المستشار العسكري، اللواء المتقاعد صفاء الأعسم، أن “العملية النوعية الأخيرة التي نفذتها القوات العراقية خارج الأراضي العراقية، بالتنسيق مع التحالف الدولي، والتي أسفرت عن مقتل أحد أبرز قادة تنظيم داعش في سوريا، تمثل خطوة استراتيجية بالغة الأهمية لتعزيز أمن العراق وردع التهديدات الإرهابية”.

ويفسّر خبراء في الشأن المؤسسي هذه الخطوة باعتبارها ترجمة عملية للتوازن بين السيادة الوطنية ومتطلبات الأمن الإقليمي.

المواجهة المباشرة

البعد العملياتي لهذه الضربات يتجاوز حدود المواجهة المباشرة، إذ يسهم في تفكيك البنية القيادية للتنظيمات المتطرفة ومنعها من إعادة التمركز في المناطق الحدودية.

الأعسم أشار إلى أن “استهداف قادة التنظيمات الإرهابية خارج الحدود يضعف بنيتها الميدانية، ويمنع تحويل المناطق المجاورة إلى ملاذات آمنة، فضلاً عن كونه إجراء استباقي يحمي أرواح العراقيين من هجمات محتملة”.

وتشير المداولات الأمنية إلى أن هذه الاستراتيجية تنسجم مع تجارب دولية اعتمدت أسلوب الضربات الوقائية لإغلاق منافذ الخطر قبل وصولها إلى الداخل.

قانونيًا، يحظى هذا النوع من العمليات بمشروعية تستند إلى الدفاع عن النفس وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، خاصة إذا تم بالتنسيق مع التحالفات العسكرية القائمة.

الأعسم شدد على أن “تنفيذ مثل هذه العمليات يستند إلى مبدأ الدفاع المشروع عن النفس، ويتم في إطار تنسيق وثيق مع التحالف الدولي، ما يمنحه المشروعية القانونية والسياسية اللازمة”،

مضيفًا أن “ذلك يتطلب ضوابط دقيقة تشمل الدقة الاستخباراتية، الحد من الأضرار الجانبية، والشفافية في إعلان نتائج العمليات”.

المعايير الدولية

ووفق تقديرات قانونية، فإن هذا الالتزام بالمعايير الدولية يمنح العراق قوة تفاوضية إضافية في مواجهة أي اعتراضات سياسية محتملة.

وبالتوازي مع ذلك، برزت أبعاد استخبارية عميقة لهذه العملية، حيث أوضح الخبير الأمني أحمد التميمي أن “العراق يمتلك أكبر قاعدة بيانات عن تنظيم داعش في الشرق الأوسط، وقد بدأت العديد من الدول فتح قنوات تواصل مباشرة مع بغداد للتعاون الاستخباري والمعلوماتي، نظراً للقلق من احتمال تسرب عناصر خطيرة للتنظيم إلى عواصم عربية وإقليمية وحتى أوروبية”.

ويظهر هذا المعطى، وفق تقديرات بحثية مستقلة، أن بغداد تتحول تدريجيًا إلى مركز ثقل استخباري تتقاطع عنده مصالح دولية وإقليمية.

التميمي أضاف أن “عملية تصفية الحلبي التي جرت قبل يومين هي عملية عراقية خالصة بالتعاون مع التحالف الدولي، وتؤكد نجاح الأجهزة الاستخبارية ومكافحة الإرهاب في الوصول إلى مضافات التنظيم في عمق المناطق النائية خلال الأشهر الماضية، ما أسهم في الحصول على معلومات حديثة ومهمة عن طبيعة خلايا داعش وقنوات تواصله وقياداته الجديدة خارج الحدود”.

ويفسّر خبراء في الشأن الأمني هذا التصريح باعتباره دليلًا على تبلور قدرة عراقية خاصة في تعقب الشبكات المعقدة للتنظيم خارج الجغرافيا الوطنية.

قدرة العراق

وأشار التميمي أيضًا إلى أن “هذه الضربة الأخيرة للحلبي تؤكد قدرة العراق على اختراق شبكة معقدة لتنظيم داعش، وتظهر التقدم في جهود مكافحة الإرهاب وحماية الأمن الإقليمي والدولي”.

ووفق مقاربات سياسية حديثة، فإن هذه الرسالة تمثل نقطة تلاقي بين البعد الأمني الميداني والدور الدبلوماسي الذي يسعى العراق لتثبيته في محيطه.

أما من زاوية العلاقات الدولية، فإن التعاون مع التحالف الدولي يظهر اعتماد العراق على شراكات أمنية وإقليمية متينة لمواجهة الإرهاب العابر للحدود.

الأعسم أوضح أن “نجاح هذه العملية يظهر أهمية التعاون الإقليمي والدولي في مواجهة الإرهاب العابر للحدود، ولهذا يجب تعزيز الشراكات الأمنية والاستخبارية، وتطوير قدرات القوات الخاصة العراقية”.

وترى دراسات بحثية أن هذا النمط من العمليات يسهم في تقليص الفجوة بين القدرات الوطنية العراقية ومتطلبات الأمن الدولي، خاصة في ظل تصاعد التحديات العابرة للحدود.

التحول الجوهري

في المحصلة، يكمن التحول الجوهري في انتقال العراق من استراتيجية دفاعية داخلية إلى سياسة استباقية خارجية، وهو ما يرفع مستوى الردع ضد التهديدات. أما الثابت فهو إصرار التنظيمات الإرهابية على البحث عن ثغرات جغرافية تستغلها لإعادة نشاطها.

بينما يتمثل الأثر المتوقع في تعزيز مكانة العراق كطرف قادر على حماية أمنه وأمن محيطه من دون التفريط بالتزاماته القانونية والدولية.

وختم الأعسم بالقول إن “الرسالة الأساسية من هذه العملية هي أن العراق يمتلك الإرادة والقدرة على ملاحقة الإرهاب أينما كان، وأن أمن العراقيين سيبقى أولوية لا يمكن المساس بها”.