رادود حسيني مبدع، امتازت قصائده بالطابع التراثي الأصيل والمتجدد، فصدحت حنجرته المميزة بالأطوار الكربلائية الخالدة في صحن أبي الفضل العباس (ع) كل ليلة جمعة، وهو من طبقة الرواديد الكربلائيين الذي قرؤوا القصيدة الحسينية في الفترة المظلمة، وتحدوا بذلك كل الظروف والصعاب، كما أنه من الرواديد القلائل الذين يجيدون قراءة القصائد القديمة والصعبة.
الرادود الحسيني الحاج صادق ملك
حاوره: منتظر الحسيني - عدسة: علي الشمري
صدى الروضتين: ما طبيعة الأجواء التي عشتها في بداياتك وتأثيرها عليك كرادود؟
تربينا منذ الطفولة في مجالس الملا حمزة الصغير والشيخ هادي (رحمهم الله) وخاصة في ليالي شهر رمضان، فترعرعنا في هذه المجالس وفي المحيط الكربلائي الأصيل، حيث كانت كربلاء صغيرة جداً من خلال بيوتاتها وتقاليدها الحسينية، فكنت أستمع بشكل جيد إلى الرواديد الكبار، حتى وفقنا الله تعالى ودخلت في هذا الخط.
وفي عام 1991 ارتقيت المنبر لأول مرة أمام (جمهور)، حيث كان مطلع اول قصيدة لي (يا حمى الاسلام يا سلطانها) بحق مولانا إمام العصر الزمان (عج). كمقدمة لأستاذي ومعلمي الرادود الحاج محمد حمزة الكربلائي.
صدى الروضتين: كيف كانت ظروفكم في خدمة المنبر في المرحلة السابقة؟
في فترة النظام البائد كان الرادود الذي يدخل ساحة الخدمة يسلم أمره إلى الله تعالى، فعندما نتجه الى مجلس لا نعلم هل سنعود إلى أهلنا أم لا؟! حيث كان رجال النظام السابق يقبضون على الرادود وصاحب المنزل، فكنا نضع أشخاصاً للمراقبة خارج المنزل، وقد اعتقلت مرتين لقراءتي في المجالس، وهذه نعمة وبركة من الامام الحسين أن وفقنا للخدمة في تلك المرحلة الصعبة.
وقد قمنا في تلك الفترة بحملة مهمة من خلال مجاميع من الرواديد، وبتوجيهات الحاج محمد حمزة الرادود ومع الحاج رضا النجار، وتم تقسيمنا على أحياء كربلاء من اجل قراءة المواليد بحق أهل البيت (ع) في الأعراس والمناسبات، كبديل لاستخدام اللهو والغناء، وكانت حملة ناجحة جدا.
صدى الروضتين: ما هي أهم المواكب والأطراف التي قرأتم لها بعد عام 2003؟
استلمت رسمياً القراءة في جمهور الفاطمية، وقرأت أيضاً لموكب أهالي كربلاء في الكاظمية بمناسبة استشهاد الإمام الكاظم (ع)، وثلاث سنوات في جمهور طرف باب الخان، وكذلك باب بغداد، والعباسية، بالإضافة إلى الهيئات الكربلائية، ومجالس أُخَر خارج كربلاء وخارج العراق.
صدى الروضتين: بم تمتاز الأطوار الكربلائية عن غيرها؟
إن أي طور ناجح يجب أن يكون مائلاً إلى الأطوار الكربلائية، فالطور الذي يبتعد عن النكهة الكربلائية لا ينجح إلا لفترة قصيرة، ولا بأس أن يكون متجدداً، والذي يمكن أن نطلق عليه تسمية (الطور الكربلائي المتجدد)، فمثلا قصيدة (يا بن أمي عل تربان) تستطيع قراءتها بشكل آخر وتبقى مؤثرة، لذا من الأفضل أن يكون الطور الجديد مبنياً على الأساس القديم.
فالحاج كاظم منظور وحمزة الصغير أصبحوا هم المدرسة الأساس للرواديد الحسينيين؛ وذلك يعود لسر وتوفيق إلهي، وجميع الأطوار الجديد هي في الحقيقة ترجع بالأساس اليهم. فهنالك العديد من الرواديد والشعراء المميزين في الفترة القديمة، ولكنهم لم يصلوا الى مستوى هؤلاء؛ كونهم كانوا قمة في الإيمان والنية الخالصة لله تعالى وللحسين (ع)، ونحن نسعى ونأمل للسير على نهجهم.
صدى الروضتين: كيف تختار الأطوار في المجالس داخل وخارج كربلاء؟
يجب أن يضع الرادود الطور الذي يناسب المحيط الذي يقرأ به، فالطور الذي يناسب أهالي كربلاء لا أستطيع قراءته خارجها، وفي الجنوب نجد المسألة مختلفة واللطم مختلف، وكذلك في البحرين والخليج بشكل عام، ففي كل مكان يجب أن نقرأ الطور المناسب.
صدى الروضتين: ما رأيك بالأطوار الحديثة والإشكالات التي تُثار حولها؟
هنالك أطوار قد نتجه بها إلى العالم الغربي؛ كونهم يحملون ثقافة مختلفة من اجل جذبهم الى ساحتنا وبشكل تدريجي، وخاصة أنهم منغمسون في أجواء لهو بعيدة عن الدين، فأنا مع فكرة التجديد والحداثة في الأطوار وفي سرعتها، ولكن على أن لا تتجاوز الحد بضوابط وذوق فني، وأن لا تشكل إهانة لمقام أهل البيت (ع). أما القراءة في كربلاء فتختلف؛ لأن هذه المدينة لها قدسية خاصة ولا تقبل القسمة على اثنين.
صدى الروضتين: لماذا تهتم بشكل كبير بقراءة القصائد القديمة؟
أغلب الناس يحبون القديم، وأنا لي الشرف أن أقرأه كل خميس في الصحن العباسي المقدس منذ حوالي (10) سنوات، فالجديد يتذوقه القليل من الناس، ولكن عندما أقرأ في المجلس قصيدة قديمة يتغير الحضور بشكل جذري، هذا شيء لمسته، فيكون التأثر كبيراً وكأن القصيدة قد كُتبت البارحة.
صدى الروضتين: هل من السهل قراءة القديم؟
كلا، فقراءة قصائد حمزة تحتاج إلى النفس الطويل والسيطرة، وإمكانية التسليم، فقد يعتقد بعض الناس أن ما يقرأه حمزة سهل، ولكنه في الواقع العملي صعب جدا، فهذا الرادود الكبير هو مدرسة نادرة لن تتكرر.
صدى الروضتين: نصيحة توجهها إلى الرواديد الشباب؟
يجب التأني من قبل الرادود الشاب، فلا يتسرع للوصول الى أهدافه، فيكفي لو يقرأ في السنة مجلساً واحداً، أو لا يقرأ أي مجلس بل يأخذ معلومات، ويكتسب مهارات، ويصقل صوته، فالطريق أمامه طويل. كما أن على الرادود أن لا يُطيل كثيراً في القراءة، بل عليه أن يجعل المستمع حزيناً إلى انتهاء المجلس، لكي لا يكون هنالك ملل، وهذه نصيحة أخذتها من احد الرواديد الكبار.
|