مثلما يُغرس الانسان في رحم الأمومة، ينغرس في رحم الأرض، ولهذا يُولد مرتين، وبالمقابل من ينبش بطن الأرض ليعبث بقداسة الموت، هو كمن يبقر بطن أمّ ليقتل الجنين، هو كمن يقتل الناس أجمعين، فهل يدرك النباشون أن النبش من أعظم الموبقات، ومن أكبر الذنوب...؟ وما يحيرني: كيف كانوا هم ساعة النبش؟ بأية صورة كان نبشهم ساعتها؟ ماذا كانوا يقولون لبعضهم، وهم ينبشون قبر الصحابي الجليل (حجر بن عدي الكندي)؟
:- لا تقلق... ليس جديداً عليهم النبش، فهم أحفاد من سعَوا لنبش قبر بنت رسول الله (ص) فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)، ولذلك دُفنت في قلوب الشيعة بعيداً عن طيش الماكرين...
:- لا تقلق... ليس الأمر غريباً عليهم، فهم أحفاد معاوية، جدهم أول من استفز الشعوب بوعيد مثبور طال حتى الدفائن، وقام بتوريث النعرات...
:- من المؤكد في ساعة النبش كان معهم (شهاب بن حوشب)، هذا الملعون الذي نبش قبر الشهيد زيد بن علي بن الحسين (ع)، ومن المؤكد أيضاً كان معهم كل الذين نبشوا قبر شاعر اسمه (منصور بن الزريقان)؛ لأنهم اكتشفوا بعد موته أنه كتب قصائد موالاة في حبّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
:- من المؤكد أنهم ربطوا القلوب بحبال من مسد ساعة النبش، ليكونوا بعيداً عن أعين النهار، وما هم إلا كوة من ركام عفن...
كنت أقول: علّ (الديزج) يسرهم بما جاد به النبش عبر التواريخ:
(نبشت قبر الحسين (ع) سراً، فوجدت بارية جديدة وعليها بدن الحسين الطهر، وجدت فيه رائحة مسك فواحة يرف عطرها عند كل شهقة...).
الينابيع تسير على الأشواك دون أن يمسسها ألم مهما كان الشوك لعيناً؛ لأنها تروي قلوب الندى ليزهر الحنين...
أيها النباشون...
يُقال: إن أحد ولاة بغداد كان من أجدادكم، أراد أن ينبش مرقد الإمام موسى بن جعفر نكاية بقول الروافض بأن أجساد أئمتهم لن تبلى، فأشار إليه وزير أن انبش قبر عالم رافضي ليتبرهن لك القول، وقبر (محمد بن يعقوب الكليني) على بعد مسير، فنبشوا القبر، وإذا بهم يدهشون... قبورنا فتية لن تشيخ يا هؤلاء... الله أكبر حتى قبورنا ند لكل ما تملكون من لؤم وبطش وسطوة وحقد لعين... أنتم رأيتم بأعينكم جسد حجر بن عدي، فهل مسّ هذا الرجل شيء من ذبول؟ هذه بركة الولاية لو تعلمون؟ فمتى ستدركون أنّا أمة لا تموت؟ ومتى ستدركون أن حِجْراً شهيد، تدثر بدمه وقيده ونام مطمئناً، بعدما أتم ما عليه من جهاد، وعاد ليجاهد من جديد... وأما أنتم أيها النباشون فلم يبقَ لديكم سوى الخسة والندامة والذلة والعار الوبيل...
|