
اعلنت وزارة الصحة العراقية في الثاني من أيلول 2025، انها نجحت في تطبيق تسعيرة جديدة على نحو 50% من الأدوية في الصيدليات الأهلية، ودعت السكان لشراء الأدوية التي تحمل لاصق وزارة الصحة فقط، للتحقق من قانونية الدواء والتأكد من خضوعه للتسعيرة المحددة، بحسب بيان لها.
وقالت ان الخطوة تهدف إلى تنظيم قطاع الأدوية في العراق وتوفير الأدوية بأسعار معقولة للمواطنين، على اعتبار ان هذا الإجراء يشجع على التحقق من قانونية الأدوية والتأكد من خضوعها لرقابة وتسعيرة الوزارة.
يشير إعلان وزارة الصحة عن تطبيق التسعيرة الجديدة وتخفيض أسعار الأدوية إلى خطوة إيجابية نحو تحسين وصول السكان إلى الأدوية الأساسية، ومع ذلك، فإن استمرار بيع الأدوية بأسعارها المرتفعة، ونقص بعضها في صيدليات المستشفيات، بحسب الواقع الفعلي، يعكس تواجد تحديات كبيرة في تطبيق هذا القرار - وغيره من القرارات ـ
ان معرقلات هذا التطبيق تشمل، ضعف الرقابة والتفتيش، وبرغم إصدار القرارات، فان هناك ضعفا في آليات الرقابة على الصيدليات الأهلية للتأكد من التزامها بالتسعيرات، وقد لا تكون فرق التفتيش كافية أو فعالة في تغطية جميع الصيدليات، مما يتيح للبعض الاستمرار في البيع بالأسعار القديمة.
ان إعلان الوزارة عن أن التسعيرة الجديدة تشمل نحو 50% من الأدوية يعني أن النصف الآخر ما يزال يباع بأسعاره السابقة، وهو ما قد يسبب التباسا للمواطنين ويسهل على الصيدليات بيع الأدوية بأسعار مرتفعة، كما ان الوزارة لم تذكر أصناف الادوية المستهدفة بالتخفيض، التي يفترض ان تشمل ادوية الامراض المزمنة.
وقد لا يكون الناس على دراية كافية بالأسعار الجديدة أو بضرورة البحث عن الأدوية التي تحمل لاصق وزارة الصحة، مما يجعلهم عرضة للشراء بالأسعار المرتفعة من دون علم.
وقد تواجه الأدوية التي جرى تخفيض سعرها نقصا في السوق، فبعض الصيدليات قد تمتنع عن بيعها بالسعر الجديد لأنها تعد ان هامش الربح الجديد غير مجز لها، مما يدفعها إلى حجبها أو بيعها في السوق السوداء، كما قد يعزف المستوردون عن جلب هذه الأدوية للأسباب نفسها، مما يؤدي إلى شحتها في الأسواق.
ويمكن أن يؤدي الفساد دورا في هذا الفشل، سواء على مستوى بعض المستوردين أو الصيدليات أو حتى بعض موظفي الرقابة، اذ يجري التواطؤ لتجاوز القوانين وتحقيق مكاسب شخصية على حساب المريض.
أي ان التحدي يكمن في كيفية تحويل القرار الوزاري إلى واقع ملموس على الأرض، وهو ما يتطلب أكثر من مجرد إعلان، بل هو بحاجة إلى منظومة رقابة صارمة، وتوفير الأدوية المسعرة، وحملات توعية مستمرة للسكان، كما يستوجب الشفافية مع الناس وتحديد الادوية المشمولة بالتخفيض بصورة واضحة وان تكون ادوية أساسية.
وبالمقارنة مع إجراءات دول أخرى، مماثلة في هذا الجانب، فان وزارة الصحة العامة في دولة قطر، مثلا، حددت في 25 آب 2025 الادوية المشمولة بالتخفيض بالاسم، تضمنت أسعار 1019 مستحضرا دوائيا في السوق المحلية، وافردت قوائم واضحة بالأسماء للأدوية في موقع الوزارة، بنسب تتراوح بين 15% و75%، وقد سمت الادوية المشمولة بوضوح وتضمنت الأدوية المخفض أسعارها المجموعات العلاجية كافة، ومنها أدوية القلب والضغط والسكر والمسكنات ومضادات الالتهابات ومضادات السرطانات والمضادات الحيوية وأدوية الأمراض المناعية وأدوية الحساسية ومضادات الاكتئاب والأدوية النفسية وأدوية أمراض الجهاز الهضمي وأدوية تخفيض الوزن.
وبحسب الدكتورة عائشة إبراهيم الأنصاري مدير إدارة الصيدلة والرقابة الدوائية بوزارة الصحة العامة القطرية، فان إدارة الصيدلة والرقابة الدوائية تقوم بشكل دوري بمراجعة أسعار المستحضرات الدوائية المسجلة بدولة قطر، مشيرة إلى إنه يجري التركيز على المجموعات العلاجية الأكثر استعمالا وبما يضمن توفيرها بأسعار مناسبة وصولا إلى المجموعات العلاجية كافة.
وأوضحت أن أسعار الأدوية تحدد عند تسجيلها في السوق المحلية بناء على قواعد التسعيرة المعتمدة، اذ تجري مراعاة تكلفة التصنيع في بلد المنشأ والأسعار المرجعية المعتمدة وأسعار البدائل المتوفرة في السوق المحلي؛ وحددت الصحة القطرية للسكان عنوانا الكترونيا واضحا للاطلاع على قائمة المنتجات الصيدلانية المسجلة مع الأسعار، وطلبت منهم زيارة الموقع الالكتروني لوزارة الصحة العامة، لمعرفة الادوية والاسعار.
لقد اتفق جميع المعنيين بشؤون الصحة والاقتصاد، على ان مشكلات الحصول على الأدوية في العراق تتمثل في انقطاع الأدوية الأساسية وارتفاع أسعارها، ويعود ذلك إلى الفساد المستشري في القطاع الصحي، الذي يتيح لـ "مافيات" تهريب الأدوية منتهية الصلاحية والمغشوشة المتاجرة بها وبيعها بأسعار باهظة، فضلا عن ضعف الرقابة الحكومية على المنافذ الحدودية والمؤسسات الصحية، كما تواجه الصناعة الدوائية المحلية تحديات في تحقيق الاكتفاء الذاتي بسبب هيمنة المنتجات
الأجنبية.
وبرغم تواجد صناعة دوائية وطنية جيدة، فإنها تعاني من ضعف في تغطية احتياجات السوق، وتواجه صعوبة في منافسة المنتجات الأجنبية بسبب هيمنة هذه المنتجات والبيروقراطية في إجراءات التسجيل، ويقوم التجار بشراء الأدوية من المنافذ الحدودية بأسعار مرتفعة لزيادة أرباحهم، مما يؤدي إلى نقصها في المستشفيات الحكومية وارتفاع أسعارها في السوق الخاصة.
ولم تترجم الأموال الطائلة التي تنفق على القطاع الصحي إلى تحسينات حقيقية في مستوى الخدمات، ما تسبب في انقطاع الادوية وارتفاع الأسعار وانتشار الادوية المزيفة وتدهور القطاع الصحي.
وتقول وزارة الصحة العراقية انها تقوم بتسجيل جميع الأدوية المحلية والمستوردة، وتضمين المعلومات المتعلقة بها في ما يسمى بمنظومة "كوديا"، فضلا عن ضم جميع مصانع الأدوية الوطنية والأجنبية المرخصة في العراق إلى المنظومة، بملصق يوضع على العبوة يحتوي على سعر الدواء ومعلومات أساسية عنه، غير ان محتاجي تلك الأدوية لم يلاحظوا تلك الأسعار على عبوات الادوية، وطلبت الوزارة من المرضى مسح اللاصق باستعمال هواتفهم الذكية لمعرفة سعر الدواء وبلد منشئه بكل سهولة، بحسب الوزارة، جربنا تلك العملية فلم يظهر فيها سعر الدواء وظهر فقط بلد المنشأ في بعضها، فضلا عن انها عملية معقدة لأغلب المرضى.
تخفيض أسعار الادوية في العراق: أمل المريض يتبدد امام صيدليات لا ترحم